مع ان ما جرى في معراب لم يشكل "المفاجأة" الكاملة العناصر بعدما كثر الحديث في الايام الاخيرة عن اقتراب اعلان رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع دعمه لترشيح رئيس "تكتل الاصلاح والتغيير" النائب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، فان رؤية معراب الحاشدة احتفاء بـ"مرشحها" الرئاسي ترفع نخبه وهو الذي زارها للمرة الأولى أمس لم يكن أقل من تطور استثنائي نادر.
والواقع ان جعجع الذي يشغل المراقبين والأوساط السياسية منذ بروز الاشارة الاولى الى التباين الحاد الذي حصل بينه وبين الرئيس سعد الحريري حول توافق الاخير مع النائب سليمان فرنجية على ترشيحه للرئاسة، "أقدم" أمس في توقيت كان كثر يعتقدون ان جعجع سيتجنبه في ظل تصاعد الضجة الكبيرة التي أثارتها تخلية الوزير السابق ميشال سماحة وتالياً التريث في انجاز التفاهم العوني – القواتي على اعلان دعم عون للرئاسة. وبدا واضحاً ان ثمة معطيات حملت الثنائي المسيحي على استعجال الخطوة التي وصفاها بانها "تاريخية"، عزاها مطلعون الى استعدادات كانت تجري لقيام النائب فرنجية بزيارة لروما يلاقي فيها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ويعقد لقاءات مع مسؤولين فاتيكانيين الامر الذي يعني المضي قدما في معركة ترشيح فرنجية. لكن الأمر لا يبدو انه يقف عند حدود التوقيت المباشر، إذ تبين ان الفريقين العوني والقواتي أحدثا ما يشبه الانقلاب الصاعق في الوقائع المتصلة بالمعركة الرئاسية وحساباتها كما بالواقع السياسي المسيحي كلاً وعلاقات افرقائه بالشركاء من الطوائف الاخرى تحت لافتة كبيرة هي استعادة استقلالية القرار المسيحي.
واذا كان كل من جعجع وعون حرص على التوجه الى سائر الأفرقاء بلغة الانفتاح وعدم التحدي، فان ذلك لا يحجب الصدى القوي الذي أحدثه هذا التطور من كل الجوانب سواء على المستوى المسيحي أو على صعيد علاقة كل من الفريقين بحلفه السياسي العريض في 14 آذار و8 آذار. وبرزت في هذا السياق الزيارة العاجلة التي قام بها النائب فرنجية لبكركي ليعلن منها انه "مستمر في ترشيحه".

التحضيرات السرية
وقالت مصادر الفريقين لـ"النهار" انه بعد "اعلان النيات" الذي صدر في ٢ نيسان ٢٠١٥، بدأت المرحلة الثانية من التنفيذ التي ركزت على موضوع الرئاسة. وطوال شهرين انعقدت لقاءات في شكل شبه يومي كان محورها النائب ابرهيم كنعان وملحم الرياشي مع العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع للتوصل الى هذا الاتفاق في ظل تكتم شديد ضماناً لنجاح ما يقومان به.
وفي كل اللقاءات، توسّع الطرفان في البحث في "اعلان النيات"، فناقشا مستقبل علاقتهما وعلاقة المسيحيين بالدولة ومع الشريك الاخر في الوطن، وما بعد الرئاسة أي مستقبل الجمهورية ككل ودور الجميع فيها، وعندما تكونت لديهما رؤية مشتركة متكاملة للكثير من المسائل والقضايا لتقوية الجمهورية، رتّبا لقاء الإعلان الرئاسي في الطريقة التي صدرت أمس. وحفاظاً على أمن الجميع وضعا خطة المؤتمر الصحافي الذي اعلن فيه جعجع الموقف، بعدما زار الرياشي بكركي وأطلع البطريرك على أمر الإعلان، ثم زارها الوزير جبران باسيل، وبعده العماد عون ليأخذ بركة البطريرك قبل التوجه الى معراب.
وأكد الطرفان ان هذا الترشيح ليس تحدياً لأحد والاهم انه ليس رد فعل على ترشيح الحريري لفرنجيه، وما يطمحان اليه ان تكون مبادرة جامعة أو قدر الممكن، كما أكدا ضرورة ان يشمل التفاهم كل المسيحيين وألا يقصي أحداً، فضلاً عن أنه ليس موجها ضد الشريك المسلم بل سيتوجهان إلى هذا الشريك للتوصل الى تفاهمات.

 

في معراب
والواقع ان ترشيح جعجع لعون من معراب وسط "المراسم" الاعلامية والسياسية والنيابية والحزبية التي اتخذت فيها والتي بدا واضحاً ان قيادة "القوات" حرصت عليها لاطلاق كل الدلالات التي تتجمع عند دورها المحوري في الاستحقاق الرئاسي ومن خلال التحالف "التاريخي" مع الخصم التاريخي المسيحي سابقاً، أثار مفاعيل شديدة التناقض مسيحياً ولبنانياً اذ بدا من جهة حدثاً دراماتيكياً نظراً الى الانقلاب في علاقة فريقين خاضا معارك دموية ومن ثم لم يتفاهما إلا تحت وطأة الضعف الهائل الذي أصاب المسيحيين. لكنه بدا من جهة أخرى حدثاً مبشراً باعادة التوازن الى الواقع الداخلي من خلال الأثر الذي يمكن ان يحدثه تحالف اثنين من أكبر الاحزاب والتيارات المسيحية. ولفت في هذا السياق ان جعجع عزز "استدارته" الكبيرة نحو حليفه الحديث وخصمه الاول السابق بالتركيز على النقاط "السيادية" التي وردت في "اعلان النيات " بين الفريقين ليعلن تبني "القوات" ترشيح عون وليدعو "القوى الحليفة في 14 آذار وثورة الارز الى تبني هذا الترشيح". أما العماد عون الذي شدد على ان "الجميع لهم موقعهم في هذا الوطن"، فتمنى "ان نشهد الاجماع ولو لمرة لاننا نريد صون الجميع مسلمين ومسيحيين".
وقال نائب رئيس حزب "القوات اللبنانية" النائب جورج عدوان لـ"النهار" إن ما شهدته معراب أمس كان "خطوة أولى في اتجاه توافق وطني وتفاهم يجب أن يشمل الجميع من غير استثناء، وفي المقدمة الحلفاء في تيار المستقبل لئلا تكون هذه الخطوة ناقصة".
وتوقع عدوان أن تبدأ الإتصالات في سرعة "لتحويل هذا التفاهم الثنائي إلى تفاهم وطني أوسع لأن لا خلاص للبنان إلا بهذا السبيل".

ردود أوّلية
وقالت مصادر مواكبة للاستحقاق الرئاسي لـ"النهار" ان ترحيب بكركي بترشيح جعجع لعون أمر مفروغ منه بإعتبار ان المرجعية الروحية للموارنة مع كل تقارب داخل الطائفة. وفي موازاة ذلك لا تبدو الرياح مؤاتية لهذا الترشيح داخل "المستقبل" ولدى الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط وثمانية نواب من المستقلين.
وعلمت "النهار" ان الرد الاول لـ"المستقبل" على ترشيح العماد عون سيأتي اليوم من خلال البيان الذي ستصدره كتلته النيابية برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة الذي زار بكركي أمس وأعلن من هناك ان انتخاب الرئيس يعني جميع اللبنانيين، لا المسيحيين وحدهم، في حين كان لافتاً تصريح النائب عمار حوري من مجلس النواب الذي قال فيه: "ان عودة الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة ملكه شخصياً، وليست هدفاً في ما يقوم به لملء الفراغ الرئاسي". وفي معطيات "النهار" ان قراءة في أوساط "المستقبل" تفيد ان ترشيح العماد عون حق ديموقراطي، لكن تأييده أو عدم تأييده أمر آخر.
كما علمت "النهار" ان موقف حزب الكتائب سيعلنه رئيس الحزب النائب سامي الجميّل غداً الاربعاء بعد سلسلة إتصالات ولقاءات بدأت أمس وستستمر اليوم من خلال ورشة لقاءات تبدأ قبل الظهر بإجتماع مشترك للكتلة الوزراية والنيابية للحزب يليه لقاء للكوادر الحزبية ويتوّج مساء بإجتماع للمكتب السياسي.
اما النائب وليد جنبلاط، فأوضح لـ"النهار" ان مجلس قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي و"اللقاء الديموقراطي" سيجتمعان لاتخاذ القرار المناسب.
ورأت أوساط "حزب الله" في هذا التطور خلط اوراق على الساحة وربما عودة الى المربع الأول ورجحت ان تعلن كتلة "الوفاء للمقاومة" موقفاً من التطورات بعد غد الخميس.
وأفادت معلومات ليلاً ان وفداً من كتلة "المستقبل" توجه الى الرياض للقاء الرئيس الحريري والبحث في تطورات الملف الرئاسي كما في تداعيات تخلية ميشال سماحة بعدما كانت اتصالات اجريت بين الرئيس بري والرئيس الحريري في الشأن الأخير.