لقائلٍ يحبّ الصياغات الموجزة أن يقول إنّ روسيّا و"داعش" أطلقا سراح ميشال سماحة من سجنه اللبنانيّ. فالتدخّل العسكريّ لموسكو كان العنصر الأهمّ والأشدّ تأثيراً في قلب التوازنات السوريّة على الأرض، وتالياً في المعادلات السياسيّة، لصالح بشّار الأسد.
وكان الوجه الآخر للميداليّة نموّ دور "داعش" بحيث نجحت قوى دوليّة متعارضة على التوافق ضدّه واعتبار خلافها حول الأسد أقلّ أساسيّة.
وهذا في مجموعه ما بدا شديد الانعكاس على الوضع اللبنانيّ، وهو ما لا يمكن إلاّ أن يكون كذلك: فحزب الله، كما هو معروف جيّداً، يمسك بقرار الحرب والسلم اللبنانيّين، أمّا السياسة الخارجيّة فهي، بطريقة محوّرة، في يد الطرف نفسه، وقبل أيّام فقط جاء الاستثناء اللبنانيّ في الجامعة العربيّة ليذكّر بهذه الحقيقة.
وإذا أضفنا وجود قاعدة شعبيّة وطائفيّة عريضة، شيعيّة ومسيحيّة أساساً، ترى رأي النظام السوريّ في مسألة الإرهاب، جاز الاستنتاج أنّ أدوات الاستقبال اللبنانيّ للعامل الروسيّ - الداعشيّ أكثر من جاهزة ومستنفّرة، كما قلّت المفاجأة بانتظام القضاء انتظاماً كاملاً في التيّار العريض الذي تنضوي فيه السياستان الخارجيّة والدفاعيّة.
إذا صحّ هذا التقدير صار الكلام عن زوال باقي الحواجز بين الداخل اللبنانيّ والحرب السوريّة - الإقليميّة استنتاجاً منطقيّاً. فامّحاء الدولة إنّما تنزع مظلّة أخرى من المظلاّت التي يتوهّم بعض اللبنانيّين أنّها تغطّيهم وتحميهم.
وهنا لا يستطيع واحدنا إلاّ أن يفكّر بمراتب الضحايا الذين يدفعون أكلاف هذا الواقع المُرّ وما ينطوي عليه من إجحاف وانعدام للعدل.
وأوّل هؤلاء، من دون شكّ، سجناء رومية الذين لم يُحاكموا على رغم مرور سنوات كثيرة على توقيفهم. هكذا يغدو من الطبيعيّ جدّاً أن يُضرِب هؤلاء وهم يرون متّهماً آخر اعترف بصحّة الاتّهامات الموجّهة إليه، يخرج طليقاً بكلفة لا تتعدّى المئة ألف دولار.
لكنّ الذين كانت تستهدفهم أسلحة سماحة المنقولة يحتلّون أيضاً موقعاً متقدّماً في مراتب الضحايا. ومع أنّ ضحويّتهم، لحسن الحظّ، لم تكتمل، ومع أنّهم بقوا على قيد الحياة، إلاّ أنّهم رمزوا لأحوال جميع اللبنانيّين المتضرّرين من امّحاء الدولة. فهؤلاء، مقروءاً وضعهم من زاوية إخلاء سراح ميشال سماحة، لا يعدون كونهم أصحاب دم رخيص.
ويبقى في الأمر جانب سمج. فمن دون التقليل من خطر "داعش"، يتحوّل الابتزاز بـ "داعش" مهنة واسعة الانتشار، لا تقف الاستفادة منها عند حدّ. حتّى ميشال سماحة نفسه استطاع أن يلتفّ على الخدمة التي أسداها إليه أبو بكر البغدادي وتنظيمه، فيحدّد مَن له حقّ الكلام ومَن ليس له، لأنّ "من يحمي داعش ينبغي أن لا يتكلّم"!
المصدر: ناو