عندما بدأت في 9 تشرين الاول 2013، أولى جولات المفاوضات العلنية بين الايرانيين والاميركيين وباقي مجموعة 5+1 في جنيف، وقبل ذلك التاريخ اللقاءات السرية في مسقط، كان الطرفان يعلمان أن السادس عشر من كانون الثاني 2016 وما يرمز اليه هذا التاريخ من تنفيذ فعلي وتنفيذي للاتفاق النووي الايراني آت لا محالة. الطرفان الاميركي والايراني لم يبدآ هذه المفاوضات الطويلة والشاقة الا للتوصل الى مرحلة تفتح فيها صفحة جديدة من العلاقات بين الطرفين اولاً، وثانياً في العلاقات الدولية وما لها من ارتدادات على المنطقة الاكثر توترا في العالم منذ عقود.
أمس ومن دون مفاجأة، صار الاتفاق النووي واقعاً مع اعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن "ايران تطبق ما اتفق عليه في 14 تموز من العام الماضي في فيينا". وبموجب هذا الاعلان رفعت كل العقوبات المتصلة بالطاقة النووية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة على إيران، بما في ذلك فرض حظر على واردات النفط الإيراني، لكن العقوبات الأخرى المتعلقة بحقوق الإنسان والإرهاب التي فرضها الاميركيون والاوروبيون بقيت سارية، بل أضيفت الها أمس عقوبات جديدة من وزارة الخزانة الاميركية على 11 شركة وشخصاً "لتقديمهم دعما لبرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية".

روحاني: يوم تاريخي
ووصف الرئيس الايراني حسن روحاني يوم أمس بأنه "يوم تاريخي واستثنائي في التاريخ السياسي والاقتصادي للشعب الإيراني"، وأن طهران وصلت "إلى منعطف حيث بات البرنامج النووي الإيراني من أجل العلاقات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية"، وأنها "بدل أن ترضخ لقرارات العقوبات عليها، نقف اليوم أمام قرار يعرض الاتفاق بصفته قراراً أممياً".
وأكد ألاّ خاسر في الاتفاق النووي، وان العالم كلّه سعيد به "باستثناء الصهاينة والمتشددين في أميركا ومن يزرعون الفرقة في الأمة الاسلامية". ودعا الى الاستفادة من الظروف الجديدة التي أوجدها هذا الاتفاق لتحقيق النمو لإيران والأمن والاستقرار للمنطقة، وشدد على أنه "إذا أخلّت واشنطن بتنفيذ الاتفاق النووي سنرد على نحو مناسب".

 

أوباما
وأشاد الرئيس الأميركي باراك أوباما بتطبيق الاتفاق النووي مع إيران قائلاً إن القوى الدولية قطعت كل السبل أمام حصول طهران على قنبلة نووية. وذكّر بأنه لا تزال ثمة خلافات جمة بين الولايات المتحدة وإيران وستواصل فرض عقوبات على برنامجها للصواريخ الباليستية. وشدد على أنه " لا يزال يقف بحزم ضد تهديدات إيران لإسرائيل ودول أخرى في المنطقة".

اسرائيل مستاءة
وجاء تبادل السجناء بين الايرانيين والاميركيين رسالة فيه اشارة واضحة الى خطوة أولى في مسار قد لا يكون طويل الامد لتحسين العلاقات بين البلدين.
أما المسار الثاني والمتعلق بالمنطقة، فيبقى كما هو من دون تغيير. وطالب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، القوى العالمية بفرض "عقوبات قاسية وجريئة على أي انتهاك نووي من ايران".
وستستخدم اسرائيل رفع العقوبات عن ايران في جهودها لرفع مستوى الدعم الاميركي العسكري السنوي لها والذي يقدر بثلاثة مليارات دولار سنوياً تطالب اسرائيل برفعها الى خمسة مليارات.

حان وقت الاستثمار
وقد عبر الايرانيون عن فرحهم ببدء العمل برفع العقوبات الذي اعاد اليهم مبلغ 30 مليار دولار فوراً من أصل مبالغ تراوح بين 100 و180 ملياراً مجمدة في الخارج، فضلاً عن نحو 11 ملياراً عادت اليهم خلال الاشهر الأخيرة بفضل الاتفاق الموقع في 24 تشرين الثاني 2014 في العاصمة النمسوية. واعتبارا من اليوم يمكن ايران ان ترفع تزيد انتاجها النفطي 500 الف برميل يومياً الى أن يصل مع الوقت الى نحو 2 مليونين و500 الف برميل، مما دفع روحاني الذي أكد أنه "لن تكون منذ اليوم محدودية في تصدير النفط الإيراني" الى اعتبار يوم أمس "صفحة ذهبية" في تاريخ ايران، و"فرصة يجب أن نغتنمها لتنمية بلادنا وتحسين رفاهية الأمة وإرساء الاستقرار والأمن في المنطقة". وتوقع نمو اقتصاد إيران بنسبة خمسة في المئة في السنة المالية الإيرانية المقبلة التي تبدأ في آذار.
وقد استبقت الشركات الغربية الضخمة الاتفاق النووي الى ايران وجهزت منذ أشهر صفقات ضخمة عدة تنتظر البدء بتحرك السيولة الايرانية.
وشطب مجلس الامن مصرف صباح الايراني وفرعه الدولي من لائحة الامم المتحدة للعقوبات.

بورصات الخليج تتراجع
وتبقى نيات ايران في شأن مستوى انتاجها من النفط غير واضحة. ولم يتوقع الخبراء الاقتصاديون الغربيون تداعيات كبيرة في الوقت الراهن علىى الأقل، على اسعار النفط التي هوت على نحو كبير خلال الايام الاخيرة لتصل الى 29 دولاراً للبرميل.
لكن توقعات الخبراء الغربيين لم يكن لها أي صدى على البورصات الخليجية، حيث تهاوت أسواق البورصة مسجلة أدنى مستوياتها في سنوات بعد ساعات قليلة من اعلان رفع العقوبات عن ايران. وكانت البورصة السعودية أكبر الخاسرين نحو 6,5% وبعدها سوقا دبي وقطر 6%، وهو ادنى مستوى لهما منذ 12 سنة.