مع حصولها على الغواصة النووية «احي – راهف»، الألمانية النووية، تكون اسرائيل قد ارتفعت درجة أخرى في كشف نشاطها النووي، الذي حافظت عليه ضبابياً حتى الآن. فحملة الاستعراض التي باشرتها اسرائيل للترويج لقدرات هذه الغواصة، والحفل الضخم الذي أقامته في ميناء حيفا بحضور القيادتين السياسية والعسكرية عند وصول الغواصة من ألمانيا، عكست جانباً من أهداف الحملة الاسرائيلية التي جاءت بالتزامن مع انشغال مختلف الجهات الدولية والإقليمية في الاتفاق مع ايران. وكما في كل مرة يثار فيها الملف الايراني، تجد اسرائيل لها مكاناً لفرض وجودها. ولكن هذه المرة كان الأسلوب والآليات والمشاركون الاسرائيليون في هذه الحملة، مختلفين. فلم يقتصر الحديث عما تسميه اسرائيل قدراتها الدفاعية والهجومية لأهداف قريبة وبعيدة المدى، على بعض الضباط او نقلاً عن مسؤولين عسكريين، بل جاء مباشرة وأمام جمهور غفير من قبل رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو ورئيس اركان الجيش غادي ايزنكوط والوزير موشيه يعالون وحتى الرئيس رؤوفين ريفلين، بل إن نتانياهو لم ينتظر موعد الحفل فاستبقه في بيانات للإعلام مشيراً الى أن «هذه الغواصة تضاعف قدرات اسطول غواصاتنا ليصبح قوة ردع قوية للأعداء، الذين يطمحون الى تدميرنا... لكنهم لن يحققوا مرادهم ويجب عليهم أن يعلموا أن اسرائيل قادرة على توجيه ضربات قوية جداً إلى كل من يحاول المس بها». واعتبر الغواصة من أهم الأدوات الحربية الاسرائيلية في العقود المقبلة، وقال إنها من العناصر الأكثر حيوية في التصدي لمحاولات تدمير اسرائيل.

غواصة «احي- راهف»، تعتبر أحدث غواصة والأكثر تطوراً في الأسطول الذي تحدث عنه نتانياهو. فمع مباشرة استخدامها تكمل تل ابيب تعزيز أهم أذرع سلاح بحريتها. فهي قادرة على حمل صواريخ باليستية يصل مداها الى آلاف الكيلومترات ومزودة بأجهزة توجيه وتحريك تسمح لها بالتحرك في قاع البحر من دون رصدها بالرادارات، فضلاً عن تجهيزات أخرى خاصة تسمح لها بالبقاء في قاع البحار لفترة طويلة من دون الحاجة للتزود بالوقود أو المؤن. وأبرز مهماتها القيام بضربات عسكرية بعيدة جداً من الحدود الاسرائيلية، وفق مسؤولين اسرائيليين، الذين أضافوا انه لكونها نووية فهي معدة لتوجيه ما يعرف بالضربة الثانية. فإذا تعرضت اسرائيل لهجوم نووي، ستكون هذه الغواصات جاهزة للرد بضربة نووية مضادة تدمر العدو، كما تزعم في تل أبيب.

وكان وصول الغواصة مناسبة لأن يتحدث الإسرائيليون من دون تردد أو ضبابية عن أن سلاح الغواصات هذا يقوم عادة بتنفيذ عمليات عسكرية في اماكن قريبة وبعيدة، تحاط بالسرية المطلقة. والغواصة «احي - راهف» قريبة الى حد ما من غواصة «احي - تنين» التي تسلمتها إسرائيل في 2014، فهما اطول من غواصات الأسطول القديمة وتتمتعان بقدرات AIP – ومخزن وقود يحتوي على كميات كبيرة من الهيدروجين والأوكسجين، ما يتيح لهما البقاء لمدة أطول تحت سطح البحر. وهذه الغواصة ستكون داعمة ايضاً لجهاز الاستخبارات الاسرائيلية، إذ إنها ستشكل قوة داعمة لذراع البحرية، للعمل بسرية أكبر، وفق تقرير اسرائيلي يضيف ان غواصة «احي - راهف» كغواصة «احي - تنين» لا تحتاجان الى الخروج من قاع البحر من اجل تزويد البطاريات بالهيدروجين والأوكسجين.

 

حرب الأجهزة... والعلانية

الحديث الاسرائيلي عن ايران وحملة التحريض على الاتفاق معها ارتفعا درجة اعلى قبل وصول الغواصة الخامسة. وللمرة الأولى كان الحديث الاسرائيلي عن سرية نشاط الاستخبارات الاسرائيلية وما سمّاه الاسرائيليون «حرب الأجهزة»، التي بحسب تفسيرهم لها تهدف الى العمل ضد تعاظم قوة دول تدرجها اسرائيل في قائمة الاعداء، مثل ايران وسورية وكذلك التنظيمات المعادية وتضع اسرائيل على رأسها «حزب الله» و «حماس».

وفي تقرير اسرائيلي شمل استعراض العمليات التي نفذتها اسرائيل من دون الاعتراف بها، يجري الحديث بكل صراحة عن التخطيط لعمليات بحرية وراء الحدود ستساعد هذه الغواصة في تنفيذها وسيكون للكوماندوس البحري او الوحدة المعروفة باسم «شييطت-13» دور كبير. فإسرائيل تعتقد ان هذه الغواصة في إمكانها ان تخترق حدود دول اخرى باتجاه هدف معين، وفق الاستخبارات الاسرائيلية يكون مهدداً لاسرائيل وأمنها. الغواصة مع طاقم الوحدة يصلون الى اقرب نقطة من الهدف ويكون على أفراد الكوماندوس تنفيذ العملية، وهذه تتم بعدة وسائل بما في ذلك اصابة الهدف بصواريخ من الغواصة ذاتها.

وعلى رغم الاهتمام البالغ بالملف الايراني الا ان التقارير تحدثت عن ان حرب «الاجهزة» او «مبام» ركزت في الفترة الأخيرة على الجبهة الشمالية وتوجيه ضربات ضد شاحنات لنقل اسلحة من سورية الى لبنان بينها صواريخ طويلة المدى ومتطورة وأكثر دقة وصواريخ ارض-جو وارض-بحر من انتاج روسيا وايران. لكن خبراء لفتوا الى ان هذه العمليات لا تجدي نفعاً. وأورد بعضهم معطيات تشير الى تعزيز القدرات العسكرية في الطرف الآخر. الخبير العسكري يوسي ميلمان قال إن عشر ضربات وجهت باتجاه سورية وعلى الأرض اللبنانية قرب الحدود مع سورية كانت تستهدف قوافل تنقل أسلحة، لكنه، أضاف: «هذا لن يغير في توازن القوى، إذ إن حزب الله يملك أكثر من حوالى مئة الف صاروخ يصل مداها الى كل نقطة في اسرائيل».

 

روسيا الداعم الأكبر

وفي البحث حول سبل نشاط الغواصة ودعمها في تحقيق الاهداف الاستخباراتية الاسرائيلية دخلت روسيا الى أروقة الأبحاث الاسرائيلية من جديد، وهذه المرة في دورها لتعزيز القدرات العسكرية لإيران وحليفاتها في المنطقة. ويعتبر الاسرائيليون الروس البوصلة التي تحرك النشاطات العسكرية ويمكنها تعزيز القدرات العسكرية لإيران. ووفق التقرير فإن العلاقة مع روسيا انعكست في اعقاب المفاوضات التي أجراها وفد أمني روسي مع الحكومة الايرانية لبيع طائرات قتالية من طراز سوخوي 30 واستئناف خط انتاج دبابات تي-72، التي كان في الماضي يصنعها الروس في ايران. وإضافة الى ذلك تبحث إمكان بيع دبابات تي-90 المتطورة والتي تستخدمها قوات بوتين في سورية. واذا لم يكن هذا كافياً، فإن صفقة السلاح المتبلورة تتضمن ايضاً بيع صواريخ بر-بحر متطورة من طراز «ياخونت» ووسائل قتالية اخرى.

وأعادت هذه التقارير القلق لاسرائيل لما تضمنته من تفاصيل حول ما ستحصل عليه ايران من روسيا وبينها وصول الدفعة الأولى من منظومة صواريخ الدفاع الجوي «اس-200» الشهر المقبل وفي نهاية السنة، والأخيرة نقلت الى ايران المنظومات الداعمة على رأسها رادار منظومة الدفاع الجوي. واشترى الايرانيون أربع بطاريات اس-300.

التقارير الاسرائيلية هذه جاءت في سياق النقاش حول رفع العقوبات عن ايران، حيث تتهم اسرائيل الادارة الاميركية بتجاهل ما استعرضته التقارير الاسرائيلية من قدرات عسكرية لايران وعدم استخدام اية وسيلة ضاغطة على الايرانيين في كل ما يتعلق بتطوير السلاح الاستراتيجي – مثل التطوير والتزود بالصواريخ الباليستية بعيدة المدى ذات الرؤوس المتفجرة. ويرى الاسرائيليون ان التزود بصواريخ من هذا النوع، ذات قدرة على حمل سلاح غير تقليدي منع عن الايرانيين في اطار الاتفاقات الدولية التي وقعت. ورغم ذلك رفضت الادارة الاميركية طلب الكونغرس اشتراط رفع العقوبات بفرض رقابة على انتاج الصواريخ الباليستية في ايران.

اسرائيل رأت في التجارب العلنية الايرانية في الأشهر الأخيرة على هذه الصواريخ محاولة اختبار لرد الفعل الدولي في شكل عام – والاميركي في شكل خاص. وقرار الرئيس أوباما عدم ممارسة الضغط على الايرانيين في هذه المسألة يشجع الايرانيين على مواصلة قضم الاتفاقات الدولية لمنع انتشار السلاح النووي.

وزادت اسرائيل من حملتها ضد ايران عبر تصريحات لمصادر استخباراتية فيها نقل عنها ان ايران باشرت العمل في سبيل تجديد وجه جيشها. وانه في حال رفع العقوبات عنها، وفقاً للاتفاق النووي مع الدول الكبرى، ستُبرم اتفاقات تم تجهيزها مسبقاً بقيمة 21 مليار دولار. ووفق ما تناقلت وسائل الاعلام الاسرائيلية عن مصادر استخباراتية فلا يمكن اعتبار اعلان ايران إزالة نواة منشأة المياه الثقيلة في أراك، بمثابة تنفيذ التزاماتها حيث ترى اسرائيل مؤشرات تؤكد غير ذلك.