على مرّ تاريخها، شهدت العلاقات بين السعودية وايران فترات هبوط أكثر منها فترات صعود. ومنذ الثورة الاسلامية خصوصاً، بداالجانبان ك "النار والديناميت"، ( التعبير للصحافي السعودي جمال خاشقجي ) ولكن قطع العلاقات الديبلوماسية بين الرياض وطهران بعد التطورات الاخيرة التي أعقبت اعدام رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر هو تصعيد أول من نوعه منذ ثلاثة عقود وبادرت اليه السعودية، في خطوة دشنت مرحلة جديدة بين العدوين اللدودين.
وتضامناً مع السعودية، سحبت الكويت وقطر الاسبوع الماضي سفيريهما من طهران وخفضت الامارات العلاقات معها.وذهبت البحرين وجيبوتي والسودان الى قطع العلاقات تماماً مع ايران.
التوتر بين السعودية وايران يؤذن بتصعيد على جبهات عمرها سنوات وتخوض عليها القوتان الاقليميتان حروبهما بالواسطة، من سوريا والعراق الى اليمن مروراً بجبهات أقل سخونة. ومع تحذير السعودية طهران من خطوات اضافية ضدها، تبدو الامور مفتوحة على احتمالات أكثر خطورة، فما هي أفق التوتر السعودي-الايراني ؟وما هي اقصى حدود التصعيد بين الجانبين؟.
أستاذ العلوم السياسية الاماراتي عبدالخالق عبدالله يقول ل"النهار" إن السعودية في "مزاج غاضب" حيال الاستفزازات الايرانية ، وثمة "فريق سعودي لم يعد يحتمل السياسات والاستفزازات والتهديدات " الايرانية.
وفي حديثه الى مجلة "الايكونوميست" الاسبوع الماضي، استبعد ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان الذي يعد حالياً بمثابة الحاكم الظل في المملكة ، مواجهة مباشرة بين السعودية وايران.وقال إن أياً كان من يدفع في اتجاه هذا الامر "فهو شخص ليس في كامل قواه العقلية"، لان حربا بين السعودية وايران هي بداية ل"كارثة كبيرة" في المنطقة، وستنعكس بقوة على بقية العالم، مؤكدا أن بلاده لن تسمح بأي شيء من هذا القبيل.
ولكن على رغم هذه المخاوف، ثمة مؤشرات متراكمة تدعو الى عدم استبعاد مثل هذه المواجهة."فمع تراجع أسعار النفط وتزايد الاعباء في ايران وتراجعها في أكثر من موقع ، وخصوصاً في سوريا"، لا يستبعد عبدالخالق أن تسعى طهران الى استفزاز السعوديين "مما يؤدي الى مواجهة مباشرة بين الجانبين".
ظريف والبحارة
صحيح أن طهران اتخذت اجراءات تهدف الى تبديد التوتر، على غرار اقالة مسؤول أمني ايراني بارز في ما يشبه إقراراً ضمنياً بالتقصير في حماية البعثة الديبلوماسية السعودية ، أو العدول على تسمية اسم شارع قرب القتصلية الايرنية في مشهد باسم "نمر باقر النمر"، الا أن الاتهامات التي وجهها وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في مقال له في "النيويورك تايمس" الى الرياض بدعم التطرف ومحاولة افشال الاتفاق النووي بين طهران والغرب، لا تندرج في السياق نفسه.
وعنونت صحيفة "عكاظ" خبراً لها عن المقابلة :"جواد ظريف...ثقيل ولسانة زفر".
وعلّق وزير خارجية الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد على مقال ظريف ، مغرّدا :"عندما قرأت المقال حسبت أن الكاتب وزير خارجية بلد اسكندنافي"، فردّ الوزير الايراني بتغريدة قال فيها: "الديبلوماسية هي مجال الناضجين، وليس الأثرياء الجدد المتغطرسين"!.
وتحول حادث احتجاز "الحرس الثوري الايراني" البحارة الاميركيين العشرة في قاربين في مياه الخليج، المحطة الاخيرة لتبادل "القصف" الكلامي بين الجانبين.
وكتبت صحيفة "عكاظ" ان عملية اطلاق البحارة جاءت "تجنبا لغضب واشنطن وانصياعا ايرانيا لاوامرها".
وسارعت وكالة أنباء "فارس" الايرانية شبه الرسمية الى ابراز كلام الصحيفة السعودية، وعلقت عليه قائلة:"هل تجرؤ دولة ، بينها السعودية ،على مثل هذا الاجراء الخطير الذي كان قد يقود الى مواجهة مباشرة بين طهران وواشنطن؟ وهل هي المرة الاولى التي تحتجز ايران عسكريين من دولة عظمى دخلت مياهها الاقليمية؟".
ولم تتوان ايران عن استغلال احتجاز الرهائن في حملة دعائية تنطوي على رسائل لا الى واشنطن فحسب، وإنما أيضاً للسعودية.
وأدرجت صحيفة "سعودي غازيتا" السعودية الصادرة بالانكليزية التصرف الايراني في اطار سياسة حافة الهاوية التي تنتهجها الجمهورية الاسلامية حيال المجتمع الدولي.
سيناريوات المواجهة المباشرة
في تقدير عبدالخالق عبدالله إن التوتر لا يزال في بدايته، وكل المؤشرات تقول إن احتمالات التصعيد واردة، "فالجبهات الساخنة ، وخصوصاً سوريا، ستكون أكثر سخونة، "، و"المواجهة المباشرة" صارت واردة.
السياق نفسه يتحدث عنه الباحث في"معهد واشنطن لشؤون الشرق الادنى" مايكل نايتز الذي عمل على التوازن العسكري بين طهران ودول الخليج سبع سنوات.ويتوقع في مقال كتبه في"الفورين بوليسي" أن تتكثف الانماط القائمة حالياً ، وتتمدد الى مواجهة مباشرة حادة قصيرة، لتعود وتنحسر الى مستوى حروب الوكالة على اراضي الاخرين.ويرى أن طهران قد تبدأ بإثارة العنف في المنطقة الشرقية والبحرين، وربما تحاول بجهد أكثر أن توقف الإمدادات التي تصل إلى اليمن من طريق البحر من خلال تعزيز بطاريات الصواريخ الساحلية للحوثيين. والمرحلة التالية في الحرب السعودية مع إيران ستكون في رأيه تكثيف في حرب الوكالة داخل سوريا، و" ربما تكون الخطوة التالية هي الإمداد بصواريخ مضادة للطائرات".
وعلى غرار الباحث الاماراتي، لا يستبعد نايتس حصول مواجهة تقليدية مباشرة بين الجانبين، على غرار " مناوشات حدودية على الحدود الساحلية المشتركة وفي المنطقة المحايدة في الخليج"، لافتاً الى أن إن حقول الغاز المشتركة والجزر المتنازع عليها هي نقاط تواصل واضحة.
وبعد التجارب الصاروخية الايرانية الاخيرة التي استفزت بها العالم، وحاذرت واشنطن المبالغة في التعليق عليها تفاديا لعرقلة تطبيق الاتفاق النووي، قد تلجأ ايران الى اختبار الصواريخ أقرب وأقرب من خطوط الملاحة وسواحل الخليج.
وعلى نسق ما حصل أثناء الحرب الايرانية-العراقية على طول ما يسمى خط فهد، يتصور نايتس أن تبدأ الدوريات الجوية في إختبار بعضها . قد تُبادر إيران (أو دول الخليج) الى تحرش من نوع الواحدة بواحدة أو حتى استخدام كل جانب للألغام البحرية ضد طرق التجارة للآخر ، علماً أن ايران استخدمت هذا التكتيك في الثمانينيات. وليس الحرب الحرب الالكترونية سلاح مستبعد في هذه المواجهة المفترضة.
وفي سيناريو أكثر خطورة، لا يستبعد "أن نرى كلا الجانبين يخطئان في التقدير ويطلقان العنان في السنوات المقبلة لإنفجار قصير جداً وحاد جداً للقوة العسكرية.
ترسانتان كبيرتان
لا شك في أن اية مواجهة عسكرية بين الجانبين سيكون لها نتائج مدمرة.فكلاهما يملك ترسانة عسكرية أكبر بكثير مما كانت عليه ابان الحرب الايرانية-العراقية.
موقع "انترناشيونال سبكتيتور" الذي يعنى بالمسائل السياسية والعسكرية يقدر ب547 الفاً عديد القوة المقاتلة لايران و 233 الفاً للسعودية، ويحصي 333 مقاتلة من الجيل الرابع للسعودية و70 لايران، و847 طائرة وهليكوبتر للسعودية مقابل 600 لايران، و55 سفينة لسلاح البحرية السعودية و395 لايران، فيما تميك السعودية 8297 دبابة وآلية مدرعة مقابل 3959 لايران.
ويقول نايتس إن القوات الجوية المتطورة للسعوديين والامارات،حليفهم الرئيسي، صارت قادرة على تدمير كل مرافق الموانئ ومحطات تحميل النفط والصناعات الرئيسية لإيران بإستخدام الذخائر الموجهة بدقة، بينما يمكن طهران أن تمطر ساحل الخليج بصواريخ لا تعد ولا تحصى، غير موجهة وأخرى موجهة بعيدة المدى.