عاش لبنان أمس أيضاً تحت وطأة التداعيات الخطيرة لقرار محكمة التمييز العسكرية تخلية سبيل الوزير السابق ميشال سماحة، المدان بنقل عبوات ناسفة من سورية بالتواطؤ مع الأمن السوري، لاستخدامها في تفجيرات تستهدف تجمعات مدنية وشخصيات سياسية ودينية في عكار شمال لبنان صيف عام 2012، والذي أثار موجة عارمة من الاعتراضات والسخط لدى قيادات قوى 14 آذار وتيار «المستقبل»، وألهب الشارع الذي شهد ليل أول من أمس وأمس تحركات وقطع طرق في بيروت والشمال وإقليم الخروب. وبلغت الاحتجاجات سجن رومية المركزي، حيث اعتصم السجناء الإسلاميون، مطالبين بالإفراج عنهم ومعتبرين الأحكام الصادرة في حقهم جائرة قياساً إلى التهم الموجهة لسماحة. (راجع ص 5)

وعلى رغم أن إخلاء سماحة بكفالة مالية عالية، تم في ظل استمرار إعادة محاكمته بعد نقض النيابة التمييزية حكماً أولياً صدر في حقه في أيار (مايو) الماضي، فإن الإحباط والغضب لدى قادة «14 آذار» مصدرهما، وفق بيانات رموزها، أن تدخلاً سياسياً من قادة قوى 8 آذار و «حزب الله» وحلفاء سورية كان وراء إطلاق سراح سماحة. وتداولت أوساط قوى 14 آذار معلومات أنه جرى استبدال ضباط أعضاء في محكمة التمييز العسكرية في 18 أيلول (سبتمبر) الماضي، بغرض إخراج سماحة من السجن وأن التدخلات السياسية في هذا الصدد بدأت قبل صدور الحكم المخفف عليه في محكمة البداية قبل 8 أشهر. وأشارت مصادر رسمية إلى أنه جرى استبدال العميدين طوني شهوان وأحمد الحصني، ليحل محلهما غبريال خليفة وأسامة العطشان، لتأمين إجماع الأعضاء الخمسة فيها إلى جانب القرار. ومعلوم أن تعيين الضباط الأربعة في هيئة المحكمة التي يرأسها قاض مدني يتم باقتراح من قائد الجيش والمجلس العسكري، وبقرار من وزير الدفاع.

وشملت تفاعلات القضية، اتجاهَ بعض الفرقاء والشخصيات في قوى 14 آذار وتيار «المستقبل»، إلى طرح فكرة الاستقالة من الحكومة، احتجاجاً على ما اعتبره هؤلاء استمرار استباحة مؤسسات الدولة والقضاء والإحباط من غلبة فريق فيها، على رغم حساسية خطوة كهذه لأنها تعمم الفراغ الرئاسي على السلطة التنفيذية. ورأى أصحاب هذا التوجه أن الاستقالة «قد تكون أفضل من الإحباط والقهر اللذين يصيبان جمهور تحالف 14 آذار، ومِن تحمُّل آثار قرارات من هذا النوع يتم تمريرها على رغم أنف القانون، والتشجيع على انتشار الإرهاب ونمو الفكر الداعشي في البلاد».

وكان رئيس الحكومة تمام سلام طلب أمس من النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود الذي هو في الوقت ذاته نائب رئيس مجلس القضاء الأعلى، القيام بما يلزم لتسريع محاكمة سماحة أمام محكمة التمييز العسكرية لإصدار الحكم النهائي فيها، بعدما استوضح منه ملابسات قرار الإفراج عن سماحة.

وقال سلام إنه يتطلع الى سلطة قضائية لا تنحني إلا لقوة الحق ولا تعمل إلا لخدمة العدالة.

وصدر أمس مزيد من المواقف الشاجبة لقرار المحكمة العسكرية إخلاء سبيل سماحة، فاعتبر رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي أنه أصاب نزاهة القضاء ومفهوم العدالة، ودعا وزير الاتصالات بطرس حرب إلى إلغاء صلاحيات المحكمة العسكرية بالجرائم العادية، معتبراً أن القرار غير بريء وتجب مساءلة القضاة المعنيين بالقرار. أما وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، فرأى أن المؤسسة التي أفرجت عن المتهم من القفص دخلت إليه. وهاجم عدد من نواب كتلة «المستقبل» النيابية قرار المحكمة، معتبرين أنه تشجيع على الإرهاب.

وليل أمس، نظمت المنظمات الشبابية في قوى 14 آذار و «الحزب التقدمي الاشتراكي»، وقفة احتجاجية حاشدة ضد القرار أمام منزل سماحة في الأشرفية ببيروت، إلا أن قوى الأمن الداخلي ضربت طوقاً في محيط المبنى الذي يقع فيه منزله وحالت دون وصولهم إليه. وشارك في التحرك النائب نديم الجميل عن حزب «الكتائب»، وأمين السر العام في الحزب الاشتراكي ظافر ناصر، وعدد من قادة 14 آذار، والزميلة مي شدياق، وحمل المحتجون لافتةً كُتب عليها «المحكمة العسكرية حكمت على العدل...» والعلمَ اللبناني وأعلام الأحزاب المشاركة. وهاجم القياديون في تصريحاتهم النظام السوري، واتهموا سماحة بالعمالة له.