اذا كانت ساحة ساسين في الاشرفية عاشت مساء أمس مشهدا يختصر حجم الاحتقانات الحادة التي أثارها قرار محكمة التمييز العسكرية بتخلية الوزير السابق ميشال سماحة وخصوصا على الصعيدين السياسي والشعبي، فان استمرار عاصفة الاصداء السلبية حيال هذه الخطوة رسم مزيدا من الارباكات على مجمل الوضع الداخلي وخصوصا بعدما توغلت الحملة المتصاعدة على القضاء العسكري نحو خطوات تنفيذية يزمع فريق 14 آذار الشروع فيها. وقالت مصادر بارزة في قوى 14 آذار التي نفذت هيئاتها الشبابية والطالبية اعتصاما حاشدا مساء أمس في ساحة ساسين قبالة منزل سماحة، ان هذا "الخطأ الفادح" الذي ارتكب بتخلية سماحة شكل انذارا متقدما لقوى 14 آذار وحليفها في هذه المواجهة الحزب التقدمي الاشتراكي من محاولات استغلال لحظة سياسية شديدة الالتباس والحساسية تتعلق بالازمة الرئاسية لتمرير أمور باتت من معالم اعادة ربط لبنان بالنظام السوري وانعاشه واظهاره مجددا مظهر القادر على التأثير في المجريات اللبنانية. وأشارت الى ان هذا الامر الذي جاء بعد الخطأ الاول الخطير الذي ارتكب الاسبوع الماضي بخروج لبنان عن الاجماع العربي في القاهرة أدى الى استنفار سياسي استثنائي لقوى 14 آذار التي تدرك تماما ان رهان خصومها على التباينات الداخلية بين بعض مكوناتها قد تضخم أخيرا الى درجة توظيف هذه التباينات في اختراقات مرفوضة كتلك التي كشفتها خطوة تخلية سماحة والتي تدرجها قوى 14 آذار في اطار الواقع المرفوض للمحكمة العسكرية من الناحيتين القضائية والسياسية. ولذا فإن قرارا سياسيا واضحا اتخذته هذه القوى وترجمته أمس التنظيمات الشبابية باعادة شد عصب قواها لمواجهة هذا الاختلال الكبير من جهة والرد بما يلزم من وسائل سياسية وقانونية وسلمية على "تشريع الجريمة" الذي حصل مع تخلية سماحة.
والواقع ان عاصفة الردود على تخلية سماحة اتسعت في يومها الثاني أمس، فتواصلت مظاهر الاحتجاج من خلال اضراب السجناء الاسلاميين وغيرهم في سجن رومية عن الطعام واقفالهم أبواب الزنزانات احتجاجا على ذلك مطالبين بالمعاملة بالمثل. كما نفذ أهالي السجناء في طرابلس اعتصاما في باحة المسجد المنصوري الكبير احتجاجا على اطلاق سماحة.واعلن النائب خالد الضاهر انه سيدعي على سماحة بجرم محاولة قتله ورجال دين في الشمال وزرع الفتنة بين اللبنانيين. أما اعتصام الهيئات الشبابية لقوى 14 آذار والحزب التقدمي الاشتراكي في الاشرفية فشهد حملة عنيفة على المحكمة العسكرية ورفضا لوجود سماحة في الاشرفية وتردد انه غادر المنطقة منذ الصباح.
وبرزت على الصعيد الرسمي خطوة رئيس الوزراء تمام سلام الذي استوضح المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود بصفته نائبا لرئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي جان فهد الموجود خارج لبنان طبيعة القرار الذي أصدرته محكمة التمييز العسكرية بتخلية سماحة وطالب رئاسة مجلس القضاء الاعلى بالقيام بما يلزم للتعجيل في محاكمة سماحة الجارية "احقاقا للحق أولا ونظرا إلى حساسية الملف واهميته باعتباره يتعلق بقضية تمس بالأمن القومي". وشدد على انه "يتطلع الى سلطة قضائية لا تنحني الا لقوة الحق ولا تعمل الا لخدمة العدالة".
ريفي
وعلمت "النهار" ان وزير العدل أشرف ريفي سيقدم في مهلة أقصاها بعد غد الاثنين طلبا الى مجلس الوزراء لتحويل محاكمة سماحة الى المجلس العدلي، كما سيقدم الى مجلس الوزراء مشروع القانون الذي أعده بإلغاء المحاكم الاستثنائية والذي يلحظ إنشاء محاكم ودوائر قضائية متخصصة بجرائم الارهاب وبعض الجرائم المهمّة. ويتضمن المشروع أيضا تعديلا لصلاحيات المحكمة العسكرية لكي تقتصر على محاكمة العسكريين وحدهم بما يمنع محاكمة أي مدني أمامها.
على صعيد مواز، علمت "النهار" ان هناك إتجاها داخل قوى 14 آذار الى إعتماد مشروع ريفي وتقديمه كإقتراح قانون إلى مجلس النواب مقترنا بتواقيع 10 نواب يمثلون مختلف الكتل النيابية لهذه القوى.
مجلس الوزراء
على صعيد آخر، علمت "النهار" ان مجلس الوزراء سيعود الى الانعقاد بعد أسبوعيّن لإرتباط الرئيس سلام بالسفر الى بروكسيل ومنتدى دافوس في سويسرا الاسبوع المقبل. وقد رأس مساء أمس الاجتماع الثاني للجنة الوزارية خلال أيام للتحضير لمؤتمر المانحين الدوليين للاجئين السوريين في لندن في 4 شباط المقبل. وقد عكف أعضاء اللجنة على مراجعة ورقة العمل التي سيحملها سلام الى المؤتمر في ضوء تلقيه معطيات من الجانب البريطاني راعي المؤتمر تفيد أن لبنان يمكنه الحصول على هبات من الدول المانحة تمكّنه من تحمّل أعباء اللاجئين. من هنا سيقدّم لبنان الى المؤتمر ستة مشاريع نموذجية تفيد هذا الغرض وتغطي عددا من القطاعات الحيوية.
على صعيد متصل، أبلغت مصادر وزارية "النهار" ان رئيس الوزراء ووزير الزراعة المكلف ملف ترحيل النفايات أكرم شهيّب أبديا تفاؤلا بقرب توقيع العقد مع الشركة الانكليزية التي ستتولى الترحيل وسط معلومات ان التوقيع النهائي مع مجلس الانماء والاعمار سيتم في غضون 24 ساعة.
كما علمت "النهار" ان إتصالات جارية بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الدفاع سمير مقبل وقائد الجيش العماد جان قهوجي من أجل إيجاد مخرج لتعيين ثلاثة عمداء في المجلس العسكري بما يمهد لنصاب كامل في الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء.
التجهيزات الفرنسية
الى ذلك، نقلت "وكالة الصحافة الفرنسية" عن مصدر مقرب من وزير الدفاع الفرنسي جان - ايف لودريان أمس ان الدفعة الثانية من التجهيزات العسكرية الفرنسية للجيش اللبناني بتمويل سعودي ستسلم الربيع المقبل بعيد اجراء مناقشة جديدة لعقد التسلح هذا في الرياض. وأوضح المصدر ان "التسليم المقبل سيتم في الربيع" وانه سيتضمن في شكل أساسي تجهيزات فردية مثل الالبسة وأجهزة الاتصال. وأضاف ان السلطات السعودية الجديدة اعادت درس كل العقود المهمة ومنها برنامج تسليح الجيش اللبناني بعد تولي الملك سلمان بن عبد العزيز السلطة في كانون الثاني 2015 "وأعيدت مناقشة العقد وفي نهاية العام 2015 عاد تنفيذه في شكل طبيعي الامر الذي ترجم عمليا بتوقيع عقود مع شركات معينة". وختم المصدر بان هناك "توافقا فرنسيا - سعوديا على ان من المصلحة ان يبقى لبنان بمنأى عن الازمة السورية والوسيلة المفضلى لتحقيق ذلك هي تعزيز المؤسسات العابرة للطوائف في هذا البلد بدءا بالجيش اللبناني".