لم يمتلك المسلمون الشيعة عبر التاريخ تصور لحكم الإسلام لمعارضتهم بالأساس لنظام الخلافة و اعتمادهم على حاكمية الإمام المعين و المنصب من قبل الله و ما كان من أمر الفقهاء المسلمون الشيعة إلا أن يحصروا حدود ولايتهم في الأمور الخاصة لأبناء الطائفة إن كان في مجال الفتوى و الإجتهاد و كانت أغلبية الفقهاء يرفضون في تبني مسألة الولاية العامة إلى أن جاء المحقق الكركي و طرح مسألة الولاية العامة في القرن الحادي عشر الميلادي و من بعده الشيخ مرتضى الأنصاري و أخيراَ على يد الإمام الخميني و خلال مراحل المواجهة مع الشاه حيث ألقى في النجف عام 1975 مجموعة محاضرات بوبت في كتاب سمي الحكومة الإسلامية بعد نجاح الثورة في إيران ظنت معظم القوى التي شاركت بالثورة بأن الخميني سينسحب من الحياة السياسية كونه لا يمتلك مشروع سياسي و سيترك إدارة إيران لبقية القوى التي لديها منظومات فكرية و سياسية و لكنه فاجأ الجميع بإعلانه الاستمرار في مشروعه معتمداَ على تأييد شعبي كبير من خلال كارزمية خاصة يتمتع بها فحصل الصدام و تم تثبيت خيار الجمهورية الإسلامية من خلال استفتاء شعبي تشكل النظام السياسي الإسلامي في إيران على فكرتين متناقضتين ففكرة الجمهورية بالأساس هي مبدأ غربي لم تعرفه المجتمعات الشرقية و تعتمد بالأساس على الانتخابات في اختيار مسؤولي الدولة بدءاَ من رئيس الجمهورية إلى البرلمان إلى مجلس تشخيص مصلحة النظام إلى مجلس الخبراء الذي ينتخب الولي الفقيه و يعزله إلى البلديات وبين الفكرة الإسلامية للحكم بمفهوم الحاكمية لله من خلال تطبيق الشريعة الإسلامية و من هنا كانت فكرة مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي حكم بمجموعة من القوانين تتعارض مع الشريعة الإسلامية كما حدث بمسألة الدية لأهل الكتاب حيث أقرها أقر مجلس الشورى بالمساواة بين أهل الكتاب و المسلمين من مبدأ المواطنة و رفضها مجلس الخبراء الذي تعرض عليه القوانين لمطابقتها مع الشريعة الإسلامية فما كان من مجلس تشخيص مصلحة النظام إلا أن أقر المساواة و مخالفاَ للشريعة من مبدأ أن المواطنة هي التي تحقق المصالح العليا للدولة مع مرور الزمن و مع حجم التحولات الداخلية و الخارجية أخذ المجتمع الإيراني و بمؤسساته بالتحول إلى دولة مدنية تطرح صيغة مختلفة للدولة الإيرانية تتحدث عن المزاوجة بين مبادئ الجمهورية الغربية و مبادئ الإسلام و ليس الشريعة و ليتحول المذهب الشيعي من حالة دينية إلى هوية وطنية جامعة لأغلب المكونات الإيرانية بديلاَ عن الهويات القومية المتعددة و المهددة للنسيج الإيراني بنزعاتها الإنفصالية المأزق الإيراني بالعلاقة مع الإسلام السياسي كان ينظر الإيرانيون خلال الأربعينات و ما بعد إلى حركة الإخوان المسلمين نظرة إعجاب و اقتداء و التواصل بينهما بدأ مبكراَ بعد لقاء المرجع الشيعي آية الله بروجردي و مرشد حركة الإخوان المسلمين حسن البنا و تتالى التواصل لدرجة أن نواب صفوي قائد حركة فدائيان إسلام اعتبر أن كل جعفري في سوريا لا ينتمي لحركة الإخوان فليس بجعفري و قام من بعدها الخامنئي بترجمة تفسير سيد قطب للقرآن ( في ظلال القرآن) و بعد الثورة اعتبر الإيرانيون أن الإخوان حليف ضروري لهم لنزع فتائل الصراع السني الشيعي و الشراكة في المقاومة و دعموهم في أكثر من موقع وتبنوا قضيتهم في مصر و فلسطين و لبنان و تركيا و السودان و إن اختلفوا معهم في سوريا و مع ذلك لم تنقطع العلاقة معهم و لو عن طريق حماس و غيرها و مع اندلاع ما يسمى ثورات الربيع العربي أخطأ الإيرانيون خطأَ جسيماَ و على لسان أعلى مرجعية و هو الولي الفقيه باعتبار أن هذه الثورات هي امتداد للثورة الإيرانية و هي صحوات إسلامية من بركات ثورتهم و ليكتشفوا جزئياَ فيما بعد بأن المشروع الإخواني هو جزء من المشروع الغربي لإعادة تركيب المنطقة و مع ذك استمروا بالمراهنة على إمكانية استقطابهم و إشراكهم في بناء شرق أوسط إسلامي جديد و هذا ما يفسر استمرار دعم إيران لحكومة العدالة و التنمية التركية و توفير سبل نجاحها بالانتخابات الأخيرةٍ رغم الصراع الدموي معها في الموضوع السوري بستشعر الإيرانيون القلق و هم يرون أن المشروع الإخواني الذي بنوا عليه آمالاَ لهم قد تهاوى في مصر و بقية المنطقة العربية و على العكس أكثر فإن الإخوانيون تحولوا في بقية المناطق إلى حالة عدوانية مذهبية و دخلوا بأحلاف طائفية مع المملكة الوهابية لمناهضتها كما في السودان و مصدر القلق الإيراني ناجم عن تبني القوى الدولية الكبرى و تفاهمها على المستقبل العلماني لسوريا و إسقاط المشروع الإسلامي بالدخول الروسي المباشر في سوريا و بكامل ثقله و بالتالي تعميم هذه التجربة في محيط إيران مما يسمح لكتلة وازنة في الداخل الإيراني تشكل أكثرمن ثلاثين بالمائة من الشعب الإيراني يتصدرها الإصلاحيون للتحرك لتملي تصوراتها مستفيدة من الجو العلماني المحيط و هي بالأصل ميالة للغرب بنمط الحياة و تبني الأفكار الليبرالية و هذا ما قد يدخل المجتمع الإيراني بصراع داخلي يدمر كل ما بنوه في زمن الحصار هذا بالطبع هو أحد الاحتمالات المتوقعة و الاحتمال الآخر و كما عودنا الإيرانيون بعقلانيتهم و المستوى العالي بالانتماء للهوية الإيرانية بثقافتها و تاريخها و محصلتها الحضارية أن يجترحوا الحلول المناسبة و قد يكون ذلك بتعميق المسألة الوطنية الإيرانية و يتحول فيها دور الإسلام من الحاكمية إلى عنصر أساسي في بناء المنظومة القيمية الضرورية لصناعة إنسان سوي يساهم في البناء الحضاري للدولة الإيرانية الصاعدة و المسار العام خلال العقود الماضية يثبت هذا التصور و يبقى السؤال هل هناك خسارة للعرب بقضيتهم الفلسطينية و بقية القضايا أم سيكونون هم الخاسرون ؟
الدكتور احمد الدرزي