كان مفترضا ان يشكل انعقاد مجلس الوزراء في جلسته أمس عنواناً لانفراج نسبي على الاقل يتيح للبنانيين رؤية الحكومة تستعيد امساك زمام الامور ببعض الملفات الأشد إلحاحاً بما يعوض الفراغ السياسي بإجراءات وقرارات تعنى بقضايا الناس. ولكن سرعان ما جرى تحوير مجريات الوضع الداخلي برمته نحو خطوة صادمة كادت تتحول الى فتيل مثير للفتنة مع صدور قرار مباغت لمحكمة التمييز العسكرية بتخلية الوزير السابق ميشال سماحة الذي بات ليلته أمس في منزله في الاشرفية وسط حال صدمة وذهول وعدم تصديق واسعة سادت شرائح كبيرة من اللبنانيين. ذلك ان سماحة المتهم والمثبتة اعترافاته في ملف نقل المتفجرات بالتواطؤ مع المسؤول الاستخباري في النظام السوري علي المملوك كاد يرفع اشارة النصــــر "السيــــاسيــــة" والشخصيــة عصر أمس لدى وصوله الى منزله عقب موافقة محكمة التمييز العسكرية على تخليته بكفالة 150 مليون ليرة لان ابعاد اطلاقه وتوقيته وملابساته لم تقف عند حدود الغضب الواسع الذي اشتعل في وجه القضاء العسكري وألهب الحملة السياسية الأعنف في وجه هذا القضاء بل تجاوزت ذلك الى الاخطر أي البعد السياسي وربما الرئاسي. وحتى في البعد الشعبي المباشر فإن تخلية سماحة ألهبت سخطاً في الشارع كاد يتسبب باثارة حساسيات معروفة اذ قطعت ليلاً طرق عدة في بيروت امتداداً الى خلدة، كما تمدد قطع الطرق الى طرابلس واقليم الخروب ومناطق أخرى، وقت تتهيأ التنظيمات الشبابية لقوى 14 آذار لاقامة تظاهرة حاشدة في السابعة مساء اليوم في ساحة ساسين أمام منزل سماحة تعبيراً عن الاحتجاج العارم على تخليته ورفضا لقرار المحكمة العسكرية.
ويبدو واضحاً أن تداعيات هذا التطور المفاجئ تكتسب خطورة استثنائية ان لجهة تعميق أزمة الثقة لدى فئات لبنانية واسعة في القضاء العسكري الذي نالته عقب تخلية سماحة حملة سياسية مركزة غير مسبوقة من قوى 14 آذار وخصوصاً على لسان الوزير المعني الأول أي وزير العدل اللواء اشرف ريفي الذي سارع الى "نعي المحكمة العسكرية التي تميز بين اجرام صديق واجرام عدو" ليبلغ الى القول: "بئس هذا الزمن الذي يتآمر فيه قاض وضابط على أمن وطنه". أما في البعد السياسي، فإن ردود كل من الرئيس سعد الحريري والرئيس فؤاد السنيورة من جهة ورئيس حزب "القوات اللبنانية " سمير جعجع من جهة أخرى، رسمت اطاراً متقدماً للغاية في اطار المواجهة السياسية التي أعاد هذا التطور الهابها على المستوى الداخلي. واذ تميّز الرد الاولي للحريري بوصفه "اجماع الضباط على القرار بأنه عار ومشبوه ومكافأة للمجرم لن اسكت عنه"، عاود الحريري ليلاً الرد ضمنا على تصريح لرئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد هاجم فيه منتقدي قرار المحكمة وقال الحريري إن "المدافعين عن المجرم أكثر اجراما منه". وأضاف ان "أول الغيث الرد على هذه الهرطقة القانونية بمشروع تعديل صلاحيات المحكمة العسكرية".
واعتبر الرئيس السنيورة قرار المحكمة العسكرية "ضرباً بعرض الحائط لكل القوانين والأسس القضائية التي يفترض انها تحقق العدالة وجاء ليقدم هدية للمجرم على طبق من ذهب".
جعجع: الرئاسة؟
أما الرد السياسي لجعجع، فاتسم ببعد مهم للغاية اذ أعلن مساء "أن قرار المحكمة العسكرية بتخلية سبيل ميشال سماحة سيترك أثراً على الجهة التي تقف وراءه"، وقال: "لا نريد انتخابات رئاسية اذا ستكون الدولة على هذا الشكل". ووصف هذا اليوم بـ"اليوم الأسود في تاريخ لبنان، بعيداً عن السياسة"، متسائلاً: "كيف يمكن مواطناً لبنانياً تآمر مع جهة خارجية ونقل متفجرات من عندها ليقوم بأعمال تفجير وقتل في الداخل اللبناني، وحاول تجنيد أشخاص في الداخل لتنفيذ هذا المخطط، ثم اكتشفه جهاز أمني محدد وتوقفت العملية عند هذا الحد، فكيف يمكن أحداً منّا أن يستوعب أو يقبل أو يُسامح القرار الذي صدر اليوم؟". وأضاف "ان هذا القرار غير لبناني وغير قضائي، ولا أستطيع تصديقه بأي شكل من الأشكال، فنحن نتحدث عن واقعات مثبتة، ومتأكد ان هناك تدخلاً سياسياً في القرار وقد لعبت السياسة دوراً بارزاً فيه من جانب الجهة السياسية التي ينتمي اليها سماحة".
ريفي
وزير العدل أشرف ريفي "النهار" ليلاً أنه لا زال في إطار البحث مع المستشارين القانونيين لمعرفة ما يمكن إتخاذه من خطوات في مواجهة حكم تخلية سماحة. وقال: "أننا أيضا ندرس الخيارات السياسية في مواجهة هذا الحكم وإعتماد ما نراه مناسباً".
وتعليقاً على اطلاق سماحة قال رئيس المحكمة العسكرية العميد الطيار خليل ابرهيم رداً على سؤال لـ"النهار" إن "محكمة التمييز طبقت القانون ونقطة على السطر وحكمها غير قابل للطعن". ويُذكر ان هذه المحكمة تضم قاضياً مدنياً في موقع الرئيس اضافة الى خمسة عمداء وجاءت خلاصة حكمهم بالاجماع.
وأفادت معلومات من مصادر قانونية مطلعة انه منتصف أيلول الماضي جرى تعديل في هيكلية محكمة التمييز العسكرية المؤلفة من القاضي طوني لطوف رئيسا والاعضاء العمداء: طوني شهوان، احمد الحصني، علي ابي رعد وسامي خوري، فجرى استبدال العميدين شهوان والحصني بالعميدين غبريال خليفة وأسامة عطشان. واعتبرت ان لهذا التبديل علاقة بتأمين الاجماع على القرار.
وكان النائب محمد رعد رد على ما وصفه بـ"بالتصريحات الصاخبة والمبرمجة التي تعترض على قرار تخلية سماحة وليست إلا تعبيراً عن النكد والكيدية والاستنسابية".
حمادة
وفي المقابل صرح النائب مروان حمادة لـ"النهار" ليلا قائلاً: "لقد أثبت القضاء العسكري في لبنان ضرورة اللجوء الى المحكمة الدولية للتحقيق والحكم في الاغتيالات التي طالت الرئيس الشهيد رفيق الحريري وقادة ثورة الاستقلال، وآخر من يحقّ له أن يتفوّه بكلمة هو النائب محمد رعد الذي لا يزال يحمي أمثال ميشال سماحة".
مجلس الوزراء
على صعيد آخر، بدا ان انعقاد جلسة مجلس الوزراء أمس اطلق مسار اعادة تفعيل العمل الحكومي وان غياب وزراء "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" كان في اطار متفاهم عليه. وعلم ان رئيس مجلس النواب نبيه بري واكب بالتفصيل الساعات التي سبقت انعقاد الجلسة وبقي على تواصل مع المعنيين. وأجرى اتصالات لهذه الغاية مع الرئيس تمام سلام والنائب وليد جنبلاط وقائد الجيش العماد جان قهوجي. وتم التوصل الى مخرج بنصف اتفاق في موضوع التعيينات في المجلس العسكري بمعنى اقتصار التعيين على ثلاثة ضباط (كاثوليكي و ارثوذكسي وشيعي). وتقرر أيضاً تأجيل التعيينات في المجلس العسكري في الجيش وجوجلة الاسماء المطروحة الى الجلسة المقبلة. وجرى الاتفاق ايضا على تغيب وزراء "تكتل التغيير والاصلاح" عن الجلسة اضافة الى وزيري "حزب الله" والحصول على تعهد منهم يقضي بعدم الاعتراض على القرارات التي ستتخذ وتوقيع المراسيم.
وقال رداً على سؤال: "الحكومة أقلعت".