هذا الحديث المروي عن حكم أميرالمؤمنين علي عليه السلام هو أجمل الأحاديث تعليما وتربية، وفي بداية المعرفة يجب أن يتحلى به العبد تقديما ،ﻷن الإنسان في الفطرة يخلق طيبا يحب الخير ،ثم تدنس الفطرة إن عاشر صاحبها الأشرار أو مارس الشر ثم تعود عليه ،وقد يمارسه بكثرة فيظهر منه علما وعملا وقولا وفعلا، والعياذ بالله منه . وإلا لو كان هو شريرا ويعمل الشر ، ويظهر منه بين فترة وأخرى أعمال الشر، بل لو يضمر الشر وينويه لﻵخرين ،لا يمكن أن يكون مصلحا ولا يصدق ،لأن حاله تحكي عن خلاف قوله ،ونيته الشريرة تنبئ عن حقيقته بروح منتنه تنشر روائح خبيثة من فحوى كلامه أنه غير صادق ،لا يؤثر فيمن يسمعه ،لأنه لا يتمتع بحقيقة الموعظة الحسنة ،والكلمة الطيبة والقول الحق .
والداعي إلى الصلاح تنبع موعظته من القلب ،فيؤثر في قلب من يسمعه ،وبعدها يؤثر في غيره فيصدقه فتكون النتيجة استجابة ممن يسمعه . فأول الأمر : يجب أن ينزع الإنسان من قلبه الشر على قول أمير المؤمنين عليه السلام أن يقتلعه من جذوره ،ولا يجعل في نفسه أدنى نية في الشر ولا أثر في قلبه لعمل الشر ولو بمقدار ذرة ،فإن كان بهذه الصورة فتكون موعظته حسنة ومؤثرة ،بل يكون داعية للخير والصلاح بوجوده وبحركاته و سكناته وبكل تصرف له فضلا عن قوله ،بل يكون مصلحا بهيئته ورؤيته.
كما تنوي وتعامل الناس ينوون لك ويعاملوك، وهذه حقيقة هي نفس ما ذكر الامام علي ع، إن كنت تحب الخير فاقلع الشر من قلبك وانو الخير أبدا ،تصلح الآخرين ،فإنه ما من إنسان إلا وله شئ من الحياء والمعاملة بالمثل ،فلا يضل أبدا ،أنت تعامله بالخير وهو يعاملك بالشر فلا بد أن يأتي اليوم الذي يكف فيه . مهما طال العمر ،سترحل أجسادنا يوما وتبقى رائحة الذكرى الطيبة ،فاجمعوا رحيق الورود وأعمار الأزهار الجميلة والقلب الطيب ،والوجه البشوش . تنفسوا إنسانية وفرح وعطاء لأننا لا نعلم متى ينقطع النفس عنا ،أحسنوا الظن بالآخر وافتحوا قلوبكم لتنبض محبة ، وتخفق رحمة لكل الناس ،يقول الله تعالى في محكم كتابه :(وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة) البلد : 17 .
وقال الامام علي عليه السلام : "إن المتحابين في الله يوم القيامة على منابر من نور ،قد أضاء نور أجسادهم ونور منابرهم كل شئ ،حتى يعرفوا به ،فيقال: "هؤلاء المتحابون في الله" .
اظهر الإنسانية لأصدقائك تزدد محبتهم لك، واظهر الإنسانية لأعدائك ليصبحوا أصدقاءك. قيل لرسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله : "ادع على أعداءك ! قال : إني لم أبعث لعانا ولكني بعثت داعيا ورحمة ،اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون" (بحار الانوار، ج21، ص119و سنن النبي، الطباطبائي ،ص192).
جميل جدا أن تجعل من عدوك صديقا ، والأجمل ألا يتسع قلبك للعداوة لينفجر يوما ما فيك !