منذ بداية الحرب في لبنان كان الجميع يقول ان أزمة لبنان والحرب فيه مرتبطة بأزمة الشرق الاوسط، لكن يبدو الان ان ازمة لبنان باتت مرتبطة بالحرب السورية الجارية هناك حيث ان الدعم الجوي الروسي بكثافة للجيش العربي السوري حقق انجازات عسكرية آخرها كان السيطرة على مدينة سلمى في ريف اللاذقية وجبل الاكراد مما اعطى انتصارا نوعيا للجيش العربي السوري، كذلك تقدم الجيش العربي السوري في درعا حيث سيطر على كتيبة 82 وتقدم في الشيخ مسكين في درعا، وكل ذلك يحصل بانتظار جنيف - 3 حيث المفاوضات السورية التي تحضّر لها واشنطن وموسكو والامم المتحدة، فانعكس هذا الامر على الساحة اللبنانية واصبح الملف الاول دوليا واقليميا هو المفاوضات السورية بين النظام والمعارضة، وبالتالي، فان انتخابات رئاسة الجمهورية اصبحت مجمّدة ومتوقفة وليس في الافق من اجواء لانتخاب رئيس جمهورية قبل الربيع المقبل اذا تحرك الملف جدياً.
لكن يبدو ان الجميع ينتظر ماذا سيحصل في سوريا ومن الذي سيربح في سوريا، وهل ينتصر الرئيس بشار الاسد في الدعم الروسي الجوي العنيف الذي يقوم به الطيران العسكري ويقصف يوميا بحوالى 120 غارة لصالح الجيش العربي السوري، أم ان المعارضة ستأخذ جزءا من الانتصار عبر تخفيف صلاحيات الرئيس السوري بشار الاسد.
من الملامح الدولية ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال كلاماً خطيراً عندما صرّح بأنه لا ينكر بأن الرئيس بشار الاسد ارتكب اخطاء في ازمة سوريا، وانه لا بد من دستور جديد لسوريا وعلى اساسه تجري انتخابات نيابية مبكرة وعلى اساس الدستور الجديد يتم انتخاب رئيس للجمهورية في صورة مبكرة قبل انتهاء ولاية الرئيس بشار الاسد.
والرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يتكلم جزافا بل يتكلم من ناحية اعطاء قرار وليس اعطاء رأي فهو الداعم الاول للنظام السوري وهو الذي وضع سلاح الجو في تصرف سوريا وقام بتجميد الحدود السورية - التركية ووضع حدا لانتهاك تركيا للحدود السورية ولتسلل المسلحين التكفيريين من تركيا الى سوريا.
واتفق الرئيس بوتين مع الولايات المتحدة على هذه النقاط واصبح المشروع المشترك، عدم المطالبة برحيل الرئيس بشار الاسد بل الاتفاق على جدول اعمال هو وضع دستور جديد لسوريا ثم اجراء انتخابات نيابية ثم انتخاب رئيس جمهورية، وعندها يكون الشعب السوري قد قرر من يريد نوابه في مجلس الشعب ومن يريد رئيسا للجمهورية، سواء الرئيس بشار الاسد ام غيره.
وهذا جدول الاعمال متفق عليه بين روسيا واميركا ودول اوروبا الغربية خاصة فرنسا وبريطانيا، لذلك فان الاولوية في لبنان لم تعد في انتخاب رئيس جمهورية وانتقلت الاولوية الى تفعيل الحكومة فرأينا وزير الداخلية نهاد المشنوق يقوم بجولة على عون وعلى رئيس حزب الكتائب سامي الجميل والرئيس نبيه بري يقوم باتصالات مع النواب والكتل النيابية لتحضير الاجواء التوافقية لانعقاد جلسة الحكومة يوم الخميس وبالفعل صرّح الرئيس نبيه بري اثناء لقاء الاربعاء مع النواب ان جلسة الحكومة ستكون هادئة وسيكون هنالك توافق وجدية في العمل في هذه الجلسة.
لكن الرئيس نبيه بري كان له موقفاً هاماً في شأن النفايات ولم يخف استياءه من اخذ كل هذا الوقت حتى الآن لترحيلها من لبنان واضاف هل يجوز صرف نصف مليار دولار على ترحيل النفايات من لبنان، واكد انه يجب اتخاذ القرار التنفيذي في اسرع وقت. مع العلم ان الازمة مستمرة منذ ستة اشهر والنفايات تملأ الشوارع، ولا بد من حل سريع لقضية النفايات لان الموضوع اصبح يهدد الصحة العامة والبيئة العامة ومخاطر انتشار امراض اضافة الى ان بعض السموم في النفايات تسبب السرطان خاصة في الشتاء حيث تجرف المياه هذه السموم لتغرق في المياه الجوفية ومن ثم يشربها المواطنون وتسبب لهم امراض سرطان، خاصة للاطفال.


اما بالنسبة لانتخابات رئاسة الجمهورية فكان الكثيرون ينتظرون ترشيح الدكتور سمير جعجع للعماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وبالفعل عندما رأى الدكتور سمير جعجع ان الرئاسة ستكون لحركة 8 اذار وهي محصورة بين الوزير فرنجية والعماد ميشال عون، قرر ترشيح العماد ميشال عون وتفضيله على الوزير سليمان فرنجية، وهو مستاء من الرئيس سعد الحريري لان الرئيس الحريري تجاوز الدكتور سمير جعجع في امور كثيرة اهمها عندما كانت 14 اذار في عز الخلاف مع سوريا ومع نظام الرئيس بشار الاسد، قام الرئيس الحريري بزيارة سوريا وما صاحبها من فشل لاحق مما جعل الدكتور سمير جعجع يستنكف ويغضب من هذه الزيارة، التي كان ضدها وكان يرى ان حركة 14 اذار ستضعف ولن تكون قوية بزيارة الرئيس سعد الحريري الى دمشق.
كما ان الرئيس الحريري تجاوز الدكتور سمير جعجع في امور عدة، حتى وصل الامر الى اتصالات سرية بين الرئيس سعد الحريري والوزير فرنجية منذ 8 اشهر وحتى الان عبر النائب السابق غطاس خوري، وعبر وسطاء اخرين، الى ان وصل الرئيس الحريري لاجتماعه مع فرنجية في باريس واعلانه ترشيح الوزير فرنجية لرئاسة الجمهورية، وهذا ما جعل الدكتور سمير جعجع يغضب الى آخر الخط ويتوجه نحو العماد ميشال عون على اساس انه اذا كانت الرئاسة ستكون لحركة 8 اذار بين عون والوزير سليمان فرنجية فهو سيؤيد العماد ميشال عون، ويفضل العماد ميشال عون على الوزير سليمان فرنجية.
اما الرئيس سعد الحريري فرأى ان ترشيح فرنجية هو افضل حل ذلك ان عودة الرئيس الحريري لرئاسة الحكومة لن تكون الا باعطاء 8 اذار مرشحا منها فرأى ان فرنجية هو الافضل برأيه بين المرشحين الاربعة الاقوياء، فأيد الوزير فرنجية على اساس عودة الرئيس الحريري لرئاسة الحكومة، وبالفعل اتفق فرنجية والحريري على هذا الشأن ان يتم انتخاب فرنجية رئيسا للجمهورية وأن يأتي الحريري رئيسا للحكومة وفق اجتماع فرنجية - الحريري في باريس.
فقد بنى الحريري نظريته على انه اذا جاء رئيس توافقي لرئاسة الجمهورية فسيكون رئيس الحكومة توافقياً وقد يكون ميقاتي، لذلك فضل ان يأتي رئيس الجمهورية من حركة 8 اذار غير توافقي، ويكون من طرف معين كي يستطيع ان يأتي هو من 14 اذار لرئاسة الحكومة، وهكذا كان الاتفاق بين الرئيس الحريري والوزير فرنجية.
انما اتفاق باريس بين فرنجية والحريري عطله العماد ميشال عون وحزب الله، حتى ان سوريا ليست متحمسة رغم تحالفها مع الوزير سليمان فرنجية، لانتخاب الوزير فرنجية رئيسا للجمهورية في هذا التوقيت بل يفضل الاسد الانتظار لمعرفة ما ستؤول اليه اوضاع المنطقة وخاصة الاوضاع في سوريا، والرئيس بشار الاسد يراهن على ان الوضع في سوريا سيكون لصالحه بعد سنة وكلما مر شهر سيتحسن وضع الجيش السوري ويسيطر على مزيد من الاراضي داخل سوريا، وعندها يكون لسوريا وحزب الله دورا فاعلا في انتخاب رئيس جمهورية لبنان اضافة الى اختيار او وضع فيتو على اسم رئيس الحكومة.
ومن هنا لم تتحمس دمشق بقوة لانتخاب الوزير سليمان فرنجية في هذا التوقيت، كذلك لم يتحمس ابدا حزب الله لعودة الحريري لرئاسة الحكومة في هذا الظرف ويفضل حزب الله انتهاء المعارك في سوريا ومعرفة مصير الوضع وعلى اساسه يقرر حزب الله الموقف في انتخابات الرئاسة، وما اذا كان يستمر في دعم العماد عون حتى النهاية او يفاوض بعد انتصاره اذا حصل ذلك في سوريا.