لم يكن ينقص صورة الاختلال الحكومي والدستوري والمؤسساتي التي يعانيها لبنان سوى مشهد مبارزة بين وزير يتصدى لوزير آخر ويمنعه من تنفيذ القانون، فجاء هذا التطور عشية جلسة أضحت "نادرة" لمجلس الوزراء ليكمل مشهد البلد المأزوم والدولة المغيبة في غياهب تقاسم النفوذات.
ذلك انه في الوقت الذي لم يجد وزير الزراعة أكرم شهيب، حامل اثقال ملف أزمة النفايات المتفاقمة، حرجاً أمس في وصف حل ترحيل النفايات الى الخارج بأنه "حل قريب من الجنون في بلد رفض كل الحلول العقلانية مصلحياً ومناطقياً"، انفجرت مساء قضية من مشتقات ازمة النفايات تتعلق بالمحارق وامكان استيرادها واستعمالها عشوائياً، الأمر الذي كان تنبه اليه قبل يومين وزير البيئة محمد المشنوق وطلب من الجهات المختصة منع ادخال المحارق ما لم تكن حائزة موافقة وزارة البيئة. وسرعان ما تطورت هذه القضية لتثير مبارزة وسجالاً بين الوزير المشنوق ووزير التربية الياس بوصعب ومعه الوزير السابق فادي عبود اللذين كانا استعانا بمحرقة في ضهور الشوير وزعت صور لها وهي تعمل، الامر الذي حدا وزير البيئة على ان يطلب أمس من محافظ جبل لبنان ان يختم المحرقة بالشمع الاحمر. وكانت المفارقة ان الوزير بوصعب تحدى زميله تنفيذ القرار بل سخر من القرار، مخاطبا المشنوق عبر "تويتر": "يؤسفني اعلامك بأن الشمع الاحمر فقد من الأسواق بعد موسم الاعياد. الرجاء المحاولة العام المقبل". ورد المشنوق آسفاً ومستغرباً ان "يكون وزير التربية خارجاً عن القانون بينما وزارته هي المسؤولة عن تعزيز ثقافة احترام القانون".
في غضون ذلك، علمت "النهار" من مصادر شاركت في إجتماع لجنة البيئة النيابية أمس أن آراء الخبراء شددت على حسم الموقف الرسمي من خيار ترحيل النفايات بتوقيع العقود وإحترام الالتزامات كي تنطلق الشركة المعنية الى العمل، على رغم ان هناك نقاشاً مستمراً حول كلفة الترحيل والجهة التي سيتم الترحيل اليها والتي لا يزال أسمها طيّ الكتمان، ليصار بعد ذلك وخلال 21 يوماً الى مباشرة العمل. وصرّح رئيس اللجنة النائب مروان حمادة لـ"النهار" بأن اللجنة "إطلعت على مدى ساعتيّن ونصف ساعة على معاناة الوزير المكلف أكرم شهيّب مدى شهريّن ونصف شهر مما يستحق معه لقب الفدائي الاول، وهذا يتطلب من مجلس الوزراء (اليوم) موقفاً حاسماً في المؤازرة".
أما شهيب، فأوضح انه عرض التفاصيل والارقام "وتوافقنا على ان تبقى الاجتماعات قائمة الاسبوع المقبل لنواكب العملية بين مجلس الانماء والاعمار والشركة المرحلة لانجاح الحل الذي لا بديل منه". واذ شدد على ان المسؤولية "ليست مسؤولية الحكومة فقط بل مسؤولية الجميع ومن يريد ان يتاجر بالسياسة فهذا حق له ولكن لنحيد ملف النفايات لانه يمس بصحة الناس... دعونا نرفع النفايات من الشوارع واذا كان أحد مخطئا فالقانون موجود".

مجلس الوزراء
في أي حال، جاءت التطورات المتعلقة بازمة النفايات لتزيد اجواء الغموض التي سبقت انعقاد جلسة مجلس الوزراء قبل ظهر اليوم والتي اتجه وزراء "التيار الوطني الحر" الى مقاطعتها في ظل عدم نضج التسوية التي كانت تعد للتوافق على تعيينات تتناول ثلاثة مناصب شاغرة في المجلس العسكري، الأمر الذي رجح ارجاء طرح هذه التعيينات الى جلسة لاحقة واتجاه الوزراء العونيين الى مقاطعة الجلسة. وقالت مصادر وزارية لـ"النهار" إن الاتصالات استمرت الى ساعات الليل لتذليل العقبات من أمام اعادة تفعيل العمل الحكومي وتأمين حضور جميع مكونات الحكومة جلسة مجلس الوزراء اليوم بغية اعطاء هذه الخطوة الزخم السياسي والمعنوي الواسع، خصوصاً ان هذا التفعيل يحصل تحت عنوان تقديم أولويات الناس في هذه المرحلة من الفراغ السياسي والانسداد في الأزمة الرئاسية. لكن المصادر أكدت ان الجهود وصلت الى طريق مسدود مع وزراء "التيار الوطني الحر" الذي لم يستجب لوساطات لاقناعه بحضور الجلسة مع وعود باقرار التعيينات في الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء. ولم يتراجع الفريق العوني عن اصراره على تسمية العضويين الكاثوليكي والارثوذكسي في المجلس العسكري من أصل ثلاثة، علماً ان الثالث هو شيعي. وأفادت المصادر ان وزير الدفاع سمير مقبل لن يتنازل عن حقه الدستوري في رفع اقتراح التعيينات بعد استشارة قائد الجيش العماد جان قهوجي، علماً ان لا مانع ان يلجأ مجلس الوزراء الى البحث في اقتراحات أخرى غير اقتراح وزير الدفاع ولكن شرط ان يأتي الطرح منه أولاً احتراماً للآلية الدستورية. ولفتت أوساط أخرى الى ان المشكلة القائمة لا تزال في مكانين، الأول ان لا توافق على الأسماء المطروحة للتعيينات، والثاني ان لا توافق على آلية طرح الموضوع من خارج جدول الأعمال باعتبار ان هذه القضية ليست مدرجة على جدول أعمال جلسة اليوم.

 

المبادرتان الرئاسيتان!
على صعيد الملف الرئاسي، علمت "النهار" أن مبادرة ترشيح النائب سليمان فرنجيه لا تزال قائمة وحيّة عند الفريق الذي أطلقها، وأن نائب زغرتا تلقى اقتراحاً في باريس من هذا الفريق بأن يمضي في ترشيحه حتى لو أعلن النائب العماد ميشال عون ترشيحه للرئاسة انطلاقاً من أن ترشيح نائب زغرتا لقي دعماً خارجياً وغطاء داخلياً، كما أن حظوظه أكبر من حظوظ عون في الفوز بحسبان الأصوات الإنتخابية التي يرجَح أن ينالها في حال عقد جلسة انتخابية. أما السلبيات لهذا الموقف فهي محسوبة سواء في فريق قوى 14 آذار أو الفريق الآخر، وليس من المنطق أن ينسحب من يسجل في حسابه العدد الاكبر من الأصوات لمصلحة من يحوز أصواتاً لا تكفي لفوزه.
وتبعاً لهذا الجو، ستواصل قيادة حزب "القوات اللبنانية" السير في تحضيراتها لإعلان تأييدها ترشيح النائب عون، من غير أن يعني ذلك وجود مؤشرات، استناداً إلى معلومات "النهار"، لخطوات عملية بارزة على هذا الصعيد مثل عقد لقاء مباشر للدكتور سمير جعجع والجنرال عون في الأيام الثلاثة المقبلة، إلا أن اللقاء يبقى وارداً خلال عطلة نهاية الأسبوع وبعدها.