لا بُدّ من الاعتراف بصحة من قال بأننا أمام شرق أوسط جديد غير مقارب وعلى مسافة بعيدة عن صيغ الماضي الاستعماري الذي أسّس لمشروعات سلطوية حفظت فيها أقليات غير متماهية مع الهوية للأكثرية السُنية الأمر الذي أتاح فرصة ذهبية للمسيحيين في لبنان ومن قبلهم لليهود في فلسطين وللكرد وللأرمن أولاً من خلال حفظ قضيتهم ودعم أدوارهم وثانياً من خلال منحهم مشروع دولة كردية في اقليم كردستان العراقي ودولة أرمنية في أرمينيا كما سمحت الدول " الاستعمارية " في اقامة دولة علوية في سورية بغطاء بعثي واهن سُرعان ما تملّع من خلال تجربة بيت الأسد في حكم سورية ..
كما أن الشيعة الأقلية النادبة لحظها التاريخي هي الأخرى منحت فرص كثيرة في ايران والعراق وفي أماكن تواجدها كدولة في ايران ونصف دولة في العراق وقوى مؤثرة وفاعلة في باقي الأمكنة التي تتواجد فيها وتبرز في لبنان كطليعة طائفية قوية وبأبعاد اقليمة تجاوزت حدود دورها الوطني .
هذا العطاء التاريخي للأقليات يبدو وعلى ضوء نتائج الربيع العربي قد استبدل وبات خارج المكان والزمان اذ أن الصحوة السٌنية الجديدة ممعنة في دفع الاقليات الى خارج السلطة وقد ساعد على ذلك سياسات الأقليات نفسها كما أن مصالح الدول " الاستعمارية " تتسع لصالح منطق الأكثرية وتبدو المؤشرات واضحة في هذا المجال من خلال طبيعة الصراع الدائر في المنطقة من اليمن فسوريا والعراق وما بينهم من توترات ساخنة في لبنان والبحرين والمنطقة الشرقية في المملكة العربية وما الشعارات الطائفية والمذهبية المرفوعة في العراق وسورية واليمن ولبنان والبحرين الى" قطع رأس" الشيخ النمر بسيف سعودي الاّ أرض خصبة لما نقول.
لقد تمّ اخراج العلويين من السلطة في سورية وتمّ تهجير الأقليات منها , من المسيحيين الى الأكراد تماماً كما هو حال الازيدين في العراق وأقليات أخرى مسيحية وباتت الأكثرية الشيعية العراقية في مهمّة مستحيلة للبقاء في سلطة كانت قد فٌصّلت على قياس المذهب بعيد دخول الولايات المتحدة الى العراق وانهاء حكم صدام حسين السُنيّ الهوية .
ان الأقليّات وعلى اختلاف مذاهبها باتت في وضع محرج مع الأكثرية السنية وهي تعانيّ جرّاء ما يجري في المنطقة من حروب مذهبية من خطر مباشر على الوجود وما أحداث القتل والمجازر المذهبية والطائفية المتنقلة في عالمنا العربي والاسلامي الاّ دلالة واضحة على اعادة توضيب المنطقة وفق خارطة سياسية جديدة لا مكان فيها لأي مشروع أقلوي باستثناء المشروع اليهودي في فلسطين .
ان تجاوب الدول العربية والاسلامية مع السعودية في ادانة ايران مؤشر عال على احتشاد العالمين العربي والاسلامي على هوية واحدة للمنطقة وهذا مشهد جديد في السياسة الاقليمية الأمر الذي يدفع بالجميع من المعنيين بتنوع الجغرافية البشرية الى اعتماد سياسات جديدة "وحداوية " لا "آحادية "وعلى الأقليات نفسها الانتباه الى ما تورطت به من حروب لن تبقي لها دوراً خاصة وأن الاستنزاف يهدر كل طاقتها ويجعلها خاوية على عروشها .