ما رآه موظفو الأمم المتحدة الذين دخلوا إلى مضايا، فاق كل توقعاتهم.. فصور الضحايا التي خرجت من قلب الحصار ليست سوى قمة جبل ثلج المأساة الإنسانية هذه التي اقترفها النظام وحلفاؤه وخصوصاً «حزب الله» المشارك في الحصار.. فالناس كانوا، وفق مسؤول دولي، أضعف حتى من أن يتمكنوا من التعبير عن غضبهم، والوضع هناك لا يقارن بأي منطقة أخرى في سوريا!! 

وقال ممثل رئيس المفوضية العليا للاجئين التابعة للامم المتحدة سجاد مالك في مؤتمر عبر دائرة الفيديو من دمشق «ما رأيناه مروع، لم تكن هناك حياة. كل شيء كان هادئا للغاية. الوضع بائس لسكان البلدة وفي العديد من الحالات بلغ الضعف لدى السكان درجة جعلتهم غير قادرين على الاعراب عن غضبهم. الطعام كان نادرا حتى ان الناس ذكروا مرارا ان سعر كيلوغرام الارز وصل الى 300 دولار (275 يورو)». واضاف ان احدى العائلات «باعت دراجة نارية للحصول على 5 كيلوغرام من الارز». واضاف «ما رأيناه في مضايا لا يقارن (...) بمناطق اخرى من سوريا».

وابدى مالك «هوله» لما رآه موضحا ان الاطفال كانوا يقتاتون من اعشاب يقتلعونها من اجل البقاء على قيد الحياة. وقال سكان لموظفي الامم المتحدة ان المصدر الرئيس للطعام خلال الاسابيع الماضية كان الشوربة المعدة من الاعشاب والتوابل. 

ويعيش في مضايا اربعون الف شخص، بينهم نحو عشرين الف نازح من الزبداني. واحصت منظمة اطباء بلا حدود وفاة 28 شخصا على الاقل بسبب الجوع فيها منذ بداية كانون الاول.

ومع انقطاع الماء والكهرباء لجأ السكان الى حرق الكرتون للتدفئة، بحسب ما افاد مسؤول اممي اخر، مضيفا «لقد اعطيناهم كل ما كان في الشاحنات». واكد مالك ان منظمة الصحة العالمية ستسعى الى تحديد عدد من قضوا نتيجة الجوع في مضايا عندما يتم السماح بدخول منظمات الامم المتحدة الى المنطقة. كما أكد ضرورة مواصلة ادخال المساعدات الانسانية خلال الاشهر المقبلة. وقال «اذا لم نتمكن من الاستمرار في ذلك (..) فحتى الجهود التي بذلناهها ستكون مجرد ضمادة صغيرة» مضيفا «نريد ان نضمن انهاء عمليات الحصار هذه». 

ووسط الانهيار التام للخدمات الصحية في البلدة، قالت منظمة الصحة العالمية انها ترغب في اقامة مستوصفات متنقلة في مضايا. 

وأكد رئيس قسم العمليات الانسانية في الامم المتحدة ستيفن اوبراين للصحافيين ان «نحو 400 شخص بحاجة الى الاجلاء لتلقي رعاية صحية ملحة»، منبها الى «انهم مهددون بالموت» ويعانون من سوء التغذية و»مشاكل طبية اخرى».

وقال المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الاحمر في سوريا بافل كشيشيك لوكالة «فرانس برس« امس «نعمل مع الامم المتحدة والهلال الأحمر السوري على تحقيق ذلك». واوضح ان العملية «معقدة جدا وتتطلب الحصول على موافقة مسبقة ونحن نتفاوض مع الاطراف المعنية لتحقيق هذه الخطوة الانسانية».

وبحسب منظمة اطباء بلا حدود، فان «المرافق الطبية في مضايا ليست مجهزة تقنيا لاسعاف الحالات الحرجة».

وقالت متحدثة باسمها لوكالة «فرانس برس« امس «الاجلاء الطبي الى مكان آمن لتلقي العلاج امر مطلوب بالتأكيد لانقاذ حياة المرضى الذين يعانون من سوء تغذية»، مشددة في الوقت ذاته على ان «زيارة انسانية وحيدة ومن ثم العودة الى حصار التجويع لن يكون مقبولا».

ومن المقرر وفق الامم المتحدة، ادخال «مساعدات اضافية» في الايام المقبلة الى كل من مضايا والزبداني والفوعة وكفريا.

وبحث مجلس الأمن الدولي أول من أمس أمر البلدات المحاصرة في سوريا، بدعوة من نيوزيلندا وأسبانيا وفرنسا. وقال جيرارد فان بوهيمن سفير نيوزيلندا لدى الأمم المتحدة للصحافيين «أسلوب الحصار والتجويع أحد أبشع معالم الصراع السوري«.

وقالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة سمانثا باور كلمات قوية بشأن مضايا وانتقدت «التكتيكات المثيرة للاشمئزاز التي يستخدمها النظام السوري الآن ضد شعبه والتي تخير السكان بين التجويع أو الاستسلام«. وأضافت باور «انظر إلى الصور المحزنة للمدنيين ومنهم الأطفال وحتى الرضع في مضايا... هذه فقط الصور التي نراها. يتعرض مئات الآلاف للحصار والتجويع عن عمد الآن وتعيد هذه الصور إلى أذهاننا الحرب العالمية الثانية«.

وقال السفير البريطاني ماثيو رايكروفت «تجويع المدنيين تكتيك غير إنساني يستخدمه نظام (بشار) الأسد وحلفاؤه«. وأضاف في بيان «يجب رفع الحصار لإنقاذ أرواح المدنيين وإحلال السلام في سوريا«. وأوضح أن 850 طفلا في حاجة عاجلة للألبان في مضايا.

لكن ممثل النظام بشار الجعفري قال إن كثيرا مما قيل عن مضايا يستند إلى معلومات كاذبة. ووصف صور الجياع بأنها ملفقة. وقال إن هناك نقصا في المساعدات الإنسانية في مضايا مضيفا أن بعض المساعدة نهبتها «الجماعات الإرهابية المسلحة».

لكن ستيفن أوبراين وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية قال للصحافيين إن التقارير الواردة عن أشخاص يموتون جوعا في مضايا تحظى «بمصداقية تامة». (أ ف ب، رويترز)



إستنكاراً للحصار المفروض على مضايا والزبداني وغيرهما من المدن والبلدات السورية وتضامناً مع أهلها، نفذ «تيار المستقبل« أمس، وقفة تضامنية أمام مراكز منسقياته بالتزامن في بيروت والبقاع الأوسط وطرابلس (الصورة) وعكار والجنوب.