انحدار سياسي وأخلاقي غير مسبوق، أبطاله مقربون من "حزب الله" عبّدوا طريقه خلال اليومين الماضيين على خطيّ بيروت- مضايا، من خلال تطاولهم على هامات وطنية دفعت حياتها ثمناً في سبيل تكريس وتثبيت منطق الدولة المُغيّبة لغاية يومنا هذا لحساب "الدويلة"، وعلى شعب أُرغم على الاستعاضة عن كسرة الخبز، بأكل القطط والحشائش وشرب مياه الصرف الصحي بسبب الحصار الخانق الذي يُمارسه الحزب والنظام السوري منذ اكثر من سبعة أشهر.
عباس زهر الدين أحد المقربين من نجل قيادي بارز في "حزب الله" وأحد أبرز الناشطين الداعمين لنهج وخط الحزب عبر مواقع التواصل الإجتماعية، قاد مع مجموعة، حملة عنيفة ضد الرئيس الشهيد رفيق الحريري من خلال استخدامهم كلاماً نابياً ومُسيئاً لم تعهده السياسة في لبنان حتّى في عزّ الخصام السياسي سواء بين الأحزاب أو حتّى بين الزعماء أنفسهم، الأمر الذي شكّل صدمة كبيرة لدى شريحة واسعة من اللبنانيين بحيث اعتبروه نقلة "مقيتة" ترتكز على علوم "الموبقات" التي أصبح يُبدع الحزب بارتكابها ومُمارستها عملاً وقولاً.
إيعاز "حزب الله" لزهر الدين، جاء على خلفيّة حملة قام بها ناشطون في لبنان وسوريا عبر "هاشتاغ" وصفوا خلاله الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله بـ"مجرم حرب"، في تلميح إلى الحصار الذي يفرضه حزبه على بلدة مضايا وتجويعه الأهالي. والأنكى من ذلك، كان رد زهر الدين و"أخوانه" على حملة اتهام نصرالله بنشرهم مجموعة من الصور لموائد الطعام والشراب بالإضافة إلى إطلاقهم "هاشتاغ" يحمل عنوان "متضامن مع حصار مضايا". وقد وصفت صحيفة "إندبندنت" البريطانية الحملة بـ"السادية والمقرفة" خصوصاً بعد نشر صور هياكل عظمية بلاستيكية في سياق السخرية من أجساد أهل مضايا الهزيلة.
ليست المرّة الأولى التي ينتهك فيها "حزب الله" وحليفه النظام السوري شرعة حقوق الإنسان، فللنظام وحلفائه تاريخ من القتل والقمع وارتكاب المجازر الجماعية والفردية، فقد سجل العام الماضي وحده اكثر من ثلاثين مجزرة ارتكبها النظام في عدد من المناطق الداخلية كان فيها النصيب الأكبر لمدينتي حلب والعاصمة دمشق، عدا الإجرام الذي مارسه الحزب في القصير، والتي يُشبه حصارها نوعاً ما الحصار الذي يفرضه على مضايا اليوم وبعدها القلمون وريفَي حلب وإدلب والعاصمة دمشق. لكن أبرزها وأفظعها تلك التي ارتكبها في مدينة الزبداني على مدى خمسة أشهر.
وكانت صحيفة "إندبندنت" البريطانية علّقت على تغريدات وصور نشرها أنصار الرئيس السوري بشار الأسد و"حزب الله" على مواقع التواصل الاجتماعي وهم يسخرون فيها من الحصار المفروض على بلدة "مضايا" السورية بالقول، إنه انحطاط جديد للإنسانية".
ووصفت الحملة المضادة لحملة # متضامن_مع _حصار_مضايا بـ" السادية والمقرفة"، إذ أن مقربين من "حزب الله" قاموا بنشر صور موائد الطعام والشوي مستخدمين الهاشتاغ نفسه مع عبارات طائفية"، لافتة إلى أن "البعض نشر صور هياكل عظمية بلاستيكية في سخرية من أجساد أهل مضايا الهزيلة".
وقالت "إن الصور الاستفزازية، سلطت الضوء على عمق الشرخ الطائفي الذي أحدثه حزب الله، وفقاً للنشطاء السوريين، الذين أشاروا إلى جرح لن يندمل في العلاقة بين السوريين وقسم كبير من اللبنانيين حتى بعد انتهاء الحرب".
يبدو أن انحدار الحرب التي يخوضها "حزب الله" في سوريا بشكل غير مألوف، انعكست بدورها على المقربين منه. ففي سابقة خطيرة مارسها عناصر الحزب في حربهم هذه، كان وقوف احد عناصره الى جانب جثة مقاتل وهو يطلب من صديقه التقاط صورة له أثناء إشعالها بالنار، حتى بدا المشهد أقرب إلى الخيال، الأمر الذي اعتبر يومها نمطاً جديداً في طريقة تعاطي عناصر الحزب مع خصومهم وأيضاً في سلوكهم وتصرّفاتهم، خصوصاً وأن التاريخ لم يُسجّل لهم أي إرتكاب مماثل مع جثث جنود إسرائيليين في زمن المقاومة. وفي صورة مشابهة قام عناصر آخرون من الحزب بقتل عدد من الأسرى الجرحى في سوريا، في مشهد تسابق فيه العناصر لنيل شرف القتل تحت مرأى ومسمع قائدهم الذي كان يوعظهم بالقول "اقتلوهم بنيّة تأدية التكليف وليس الإنتقام".
لم يعد يُعير "حزب الله" أي اهتمام للأخلاقيات، فكل الأمور أصبحت مُباحة بالنسبة اليه والى بعض جمهوره الذي أصبح يُمارس هو الآخر الإرهاب الفعلي والنفسي نفسه الذي تُمارسه قياداته. في لحظة من الزمن تسقط ورقة التوت لتُعرّي أصحاب "التقيّة" وتكشف زيف من تلطّى لفترة من الزمن، خلف شعارات مُنمقة وُضعت ضمن إطار الطابع العقائدي والاستراتيجي قبل أن تفضحها الأفعال والممارسات العلنية، والإرتكابات الميدانية، وآخرها فضيحة تعبيد طريق بيروت- مضايا بالحقد والكراهية.