سعت إيران، يوم أمس، إلى احتواء التوتر القائم في العلاقات مع السعودية، بعد حرب التصريحات والإجراءات الديبلوماسية والاقتصادية المتبادلة بين البلدين، على خلفية إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر الأسبوع الماضي.
واتخذت إيران خطوات للحد من الأضرار الديبلوماسية الناتجة عن هجوم شنته جماهير غاضبة على السفارة السعودية في طهران، فحمّلت مسؤولاً أمنياً بارزاً المسؤولية، وقالت إنّ بعض الذين نفذوا الهجوم يجري التحقيق معهم.
ويبدو أن المسؤولين الإيرانيين يخشون استدراجهم الى معركة ديبلوماسية غير محسومة النتائج، في ظل استعداد الجمهورية الإسلامية للخروج من العزلة الدولية بعد توقيع الاتفاق النووي في تموز الماضي.
وقطعت السعودية والبحرين ودول أخرى علاقاتها مع إيران بسبب الهجوم. وخفضت الإمارات التمثيل الديبلوماسي في حين استدعت دول أخرى سفراءها للاحتجاج.
وسارعت الحكومة الإيرانية الى النأي بنفسها عن الهجوم، قائلة إن محتجين تمكنوا من دخول السفارة السعودية بالرغم من جهود كبيرة بذلتها الشرطة لمنعهم.
وأعلنت وزارة الداخلية الإيرانية، في بيان نشرته وكالة أنباء «فارس»، أنه «استناداً إلى تحقيقات أولية، ثبتت أخطاء (من قبل) صفر علي باراتلو، نائب حاكم طهران لشؤون الأمن، وقد تم استبداله على الفور بسبب حساسية القضية».
من جهتها، نقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية الرسمية عن المدعي العام في طهران عباس جعفري دولت أبادي قوله إنه تم التعرف على بعض المهاجمين وألقي القبض عليهم ويجري التحقيق معهم.
وكان الرئيس حسن روحاني طلب من السلطة القضائية الأسبوع الماضي سرعة محاكمة من هاجموا السفارة السعودية «من أجل وضع نهاية حاسمة لكل الإساءات والأضرار التي لحقت بكرامة إيران والأمن الوطني».
إلى ذلك، أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ان على السعودية الاختيار بين دعم «المتطرفين» الذين «يشجعون الكراهية الطائفية» والتعاون مع جاراتها.
وكتب ظريف، في مقالة نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز»، أن «على القادة السعوديين حالياً القيام بخيار (من اثنين): يمكنهم مواصلة دعم المتطرفين وتشجيع الكراهية الطائفية أو لعب دور بناء من أجل الاستقرار الإقليمي».
ويتهم ظريف الرياض بأنها حاولت وقف الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى، وعرقلت كل محاولة للحوار في الشرق الأوسط.
وقال ظريف «اليوم يواصل البعض في الرياض ليس فقط منع التطبيع، ولكنهم مصممون على جر المنطقة بأسرها الى المواجهة»، معتبراً أن «التهديد الحقيقي الشامل هو الرعاية الفعلية من قبل السعودية للتطرف العنيف».
وحول الهجوم على السفارة السعودية في طهران، قال ظريف إن الحكومة الإيرانية «اتخذت إجراءات فورية لإعادة النظام» و«إجراءات تأديبية ضد الذين لم يقوموا بحماية السفارة».
يأتي ذلك، في وقت قال وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو، خلال كلمة ألقاها أمام السفراء الأجانب المعتمدين في تركيا، ان بلاده مستعدة للقيام بما يتطلبه الأمر للمساعدة في إنهاء التوترات بين إيران والسعودية.
وفي السياق، دعا ديبلوماسي صيني رفيع المستوى السعودية وإيران إلى «الهدوء وضبط النفس» خلال زيارة قام بها الى البلدين الأسبوع الماضي، بحسب ما أفاد بيان رسمي صادر عن الحكومة الصينية.
وقالت وزارة الخارجية الصينية في بيانين منفصلين نشرتهما عبر موقعها الالكتروني إن مساعد وزير الخارجية الصيني جانغ مينغ التقى الأسبوع الماضي مسؤولين سعوديين وإيرانيين كبار خلال جولة من يومين شملت البلدين. وقال أحد البيانين إن الديبلوماسي الصيني عبّر في السعودية عن أمله في التزام كل الأطراف الهدوء وضبط النفس وتسوية الخلافات بالحوار وبذل جهود مشتركة لدفع الوضع باتجاه الانفراج، فيما أوضح البيان الثاني انه كرر في ايران الدعوة الى الهدوء وضبط النفس وعبر عن الأمل في أن تعمل كل الأطراف معاً لحماية السلام والاستقرار الإقليميين.
من جهة ثانية، قال ناشطون سعوديون إن ملثمين ألقوا قنابل حارقة على مجمع للاستخبارات في مدينة القطيف في شرق المملكة.
وقال متحدث باسم وزارة الداخلية السعودي إن محاولة إرهابية فشلت في إحراق المبنى بالقنابل الحارقة وإن أحد المهاجمين اعتقل.
وظهر في مقطع فيديو نشر على وسائل التواصل الاجتماعي بتاريخ التاسع من كانون الثاني شبان ملثمون يتحركون تحت جنح الظلام، ويلقون قنابل حارقة فوق الجدار الخارجي الواقي للمبنى.
وشوهدت معظم القنابل الحارقة وهي تنفجر في الأرض في الداخل، ما أدى إلى اندلاع النيران في شجرة.
ولم يتسنّ التأكد على الفور من مصداقية التسجيل.
ولم تتضح على الفور الجهة المسؤولة عن الهجوم، ولكن التسجيل تضمن إشارة إلى أن الهجوم نفذه شبان شيعة يسعون للثأر بعد إعدام الشيخ نمر النمر.
وكان النمر من بين 47 سجيناً أعدموا في الثاني من كانون الثاني، ومعظمهم من المتشددين السنة.
وحاول الناشطون الشيعة في شرق السعودية أن ينأوا بأنفسهم عن هجوم القطيف، وقالوا إنه قد يشوه الاحتجاجات السلمية في المنطقة منذ إعدام النمر.
وكان تنظيم «القاعدة» توعد السعودية بأنها ستدفع ثمن إعدام عشرات من أعضائه، معتبراً أن تنفيذ الأحكام بحقهم كان بمثابة هدية رأس السنة التي قدمتها الأسرة الحاكمة في السعودية لحلفائها الغربيين لضمان استمرارها في الحكم.
وقال جناح تنظيم «القاعدة» في اليمن وجناحه في شمال أفريقيا، في بيان مشترك، إن السلطات السعودية نفذت الإعدامات برغم تحذيرها من القيام بذلك.
وأضاف البيان «فلينتظروا اليوم الذي سيشفي به الله صدور أهالي الشهداء وإخوانهم ومحبيهم من الطاغي الكفور».