إن أي دين من الأديان لا بد له من مراقب ومحافظ على ما جاء به حتى لا يدخل فيه ما هو خارج عنه او يخرج منه ما هو منه . في وجود الرسول الأعظم ص هو المحافظ الأول عليه ،وبعد رحيله إلى الملكوت الأعلى جاء دور الصحابة وعلى رأسهم أمير المؤمنين علي بن ابي طالب ع ليحفظوا الدين ،لكن بعد ارتحالهم من يتحمل هذه المسئولية الكبيرة ؟ إن العلماء هم من يتحملون هذه المسئولية وهم ورثة الأنبياء في حمل الرسالة والمحافظة عليها .
إن مهمة العلماء هي استمرار لمهمة الأنبياء والمرسلين الذين يبلغون رسالات الله ويخشون الله فقط :(الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا) ويحافظون عليها من التحريف والتبديل والزيادة والنقيصة وصد من يريد إدخال ما ليس من الدين فيه،فإن أعداء الله كان شغلهم الشاغل هو التحريف والتزوير . وإذا ظهرت البدعة فحتى لا تتحول إلى جزء من الدين فلا بد للعالم من إظهار علمه وإلا سوف يكون مؤاخذا على تركه لمسؤوليته ومهماته .
قال رسول الله ص :"إذا ظهرت البدعة في أمتي فليظهر العالم علمه..." وأما من يداهن أو يخاف التشهير به أو تسقيطه من قبل بعض الجهلة فإنه إذا نجى منهم فلن ينجو من المساءلة أمام الله . والغريب أن بعض العلماء هم الذين يحرضون الناس على بعضهم البعض . يقول علي ع : "قصم ظهري إثنان : عالم متهتك وجاهل متنسك ،فالجاهل يغش الناس بتنسكه والعالم يغرهم بتهتكه" (بحارالانوار: ج 2 ،ص 111 ،ح 25 ) فالعالم المتهتك هو الذي وإن كان لديه مقدار من العلم إلا أنه بالإضافة إلى ذلك فاسقا ولما كان العالم محط أنظار عامة الناس لأنهم يعتبرونه القدوة لهم في تصرفاته وعلاقته مع الله ومع المجتمع فإذا صدرت منه تلك الأعمال وكانت غير مرضية عند الله مما يؤدي إلى أن يكون ذلك العالم سببا لإغواء الآخرين لعمل القبيح من الأعمال .. وكذلك الجاهل المتنسك ،فإنه لما كان مطيعا لله بطريق قد يكون خاطئا لعدم إصابته للطريق الصحيح لكونه جاهلا فإنه يضل غيره بهذا الطريق الخاطئ والإمام عليه السلام يظهر مدى عنائه من هذين لكون ضررهما كبيرا .
لا بد من التخلي عن ثقافة التفسيق والتضليل والتكفير التي انبثقت عن ثقافة المتعصبين والغلاة . يجب علينا أن نتخلص نهائيا من كل مخلفات وتراكمات ورواسب تلك الفترة الزمنية المتطرفة والعمل من جديد لترتيب البيت الإسلامي الواحد وتحطيم الجدران المذهبية.
إن من الأخطاء الكبيرة التي يقع بها كلا الطرفين (السني والشيعي) أنهم يحاكمون حقبة زمنية وفق معايير حقبة زمنية أخرى ، والصحيح هو أننا يجب أن ننظر إلى كل حقبة بالمنظار الخاص بها وبظروفها وخصوصياتها ، لا أن نقاضي تاريخ الأمس بقوانين اليوم وظروفه المختلفة !
هنا يكمن دور عالم الدين في توعية الناس وتوحيدهم على الخير ونزع الشر من نفوسهم لكن للأسف نجد معظمهم يعطون دروسا هم أبعد ما يكونون عنها ،وقد أصبحوا مثل رجالات البلاط قل ما ينخرطون بالمجتمع ، همهم المنفعة المادية والشخصية .
نساك من عصر الطباشيري ،الفكر التجديدي غائب عنهم ،الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصبح من الماضي ،بعضهم تفرقهم الأحزاب والتيارات السياسية ،بعضهم أقرب الى الموظفين ليصبحوا نظراء لرجال الدين في الطوائف الأخرى .
لقد أدخلنا التعصب للزعامات في متاهات التقديس ،تقديس رجال الدين وتقديس السياسيين ،ودخل الناس في أفخاخ الشرك بالله من هذه النوافذ ،ولذلك بات علينا العمل من جديد على إعادة الناس إلى رشدهم ، وإخراجهم من هذه الذهنية التي تمثل الغيبوبة الطائفية والمذهبية والسياسية القاتلة .
وهناك فرق بين أن نحترم هذا الشخص وبين أن نقدسه، وعندما نحترمه نحاوره ونجادله ، وندعوه إلى سلوك طريق الصواب أو الأصوب إذا رأيناه يخطئ ،أما عندما نضعه في منزلة القديسين ،فلا حوار عندها ولا جدال بل تبعية عمياء وعصبية جوفاء .!