يجتمع مسؤولون أميركيون وروس في جنيف غداً لتوفير الغطاء السياسي للموفد الدولي ستيفان دي ميستورا كي يوجه دعوات خطية في منتصف الشهر إلى ممثلي الحكومة السورية والمعارضة إلى مفاوضات «جنيف - ٣» في ٢٥ الشهر الجاري. ويراهن دي ميستورا على أن تضغط كل من واشنطن وموسكو على حليفها السوري لتجاوز «الشروط المسبقة» وقبول التفاوض بجدول أعمال مرن يقوم على «التوازي» بين المسارين السياسي المتعلق بالعملية الانتقالية والعسكري القائم بـ «مكافحة الإرهاب».
والخلاصة التي توصل إليها دي ميستورا بعد محادثاته مع الهيئة العليا للمعارضة في الرياض ووزير الخارجية السوري وليد المعلم في دمشق ومسؤولين أتراك وإيرانيين وإقليميين، أن كل فريق لا يزال في العمق على موقفه مع «مرونة في الشكل» من حيث إبداء كل طرف الاستعداد للانخراط في العملية السياسية لتحقيق أهدافه، الأمر الذي سيشكل «اختباراً» لمدى صلابة التفاهم الأميركي - الروسي للدفع إلى مفاوضات في موعدها.
دي ميستورا كان سمع من المعلم «مرونة» في الإجراءات، قامت على الاستعداد للذهاب إلى مفاوضات جنيف وإسقاط لـ «شروط مسبقة» تتعلق بأن الحكومة لن ترسل أسماء وفدها قبل الاطلاع على قائمتي وفد المعارضة و «التنظيمات الإرهابية». لكن دمشق أكدت في الوقت نفسه ضرورة تنفيذ القرار ٢٢٥٣ الخاص بـ «خنق» تنظيمي «داعش» و «جبهة النصرة» وأن الأمر «في أهمية» تنفيذ القرار ٢٢٥٤ المتعلق بالعملية السياسية.
وكانت دمشق أبلغت الأمم المتحدة وحليفها الروسي رفضها مشاركة «حركة أحرار الشام» و «جيش الإسلام» وأي فصيل مسلح في الوفد إلى المفاوضات. وهي كانت بعثت إلى الأمم المتحدة لدى الحديث عن مفاوضات «العصف الفكري» في اللجان الأربع قائمة بحوالى ثلاثين عضواً ضمت نائب وزير الخارجية فيصل المقداد والمستشار القانوني أحمد عرنوس وموظفين من وزارات أخرى في الحكومة وكان لافتاً أن القائمة ضمت محمد حمشو المدرج على قائمة العقوبات الغربية. ويجرى الحديث حالياً عن قائمة مشابهة لـ «الوفد المفاوضات» وسط أنباء عن تعرض المقداد لعملية جراحية، ما طرح احتمال لعب السفير السوري في نيويورك بشار الجعفري دوراً رئيسياً في الوفد.
أما بالنسبة إلى الهيئة المعارضة، فقد تمسكت في لقائها دي ميستورا في الرياض الثلثاء والأربعاء الماضيين، أولاً بـ «خطوات حسن نية» قبل بدء التفاوض وتنفيذ المادتين ١٢ و١٣ من القرار ٢٢٥٤ المتعلقتين بإدخال المساعدات الإنسانية وإطلاق المعتقلين ووقف «البراميل المتفجرة»، إضافة إلى المرجعية السياسية لمؤتمر الرياض لجهة تشكيل أعضاء وفدها المفاوض والداعم والخبراء ومشاركة ممثلي الفصائل المقاتلة وبينهم ١١ في الهيئة العليا (ممثل أحرار الشام لم يعد يحضر الاجتماعات)، وهي أعدت قائمة من ٢٩ مفاوضاً - فنياً و٢٧ مفاوضاً - سياسياً استعداداً للمفاوضات. ومن المقرر أن يبدأ الفريق المفاوض في الرياض اليوم (الإثنين)، دورة تدريبية من خبراء أميركيين وغربيين حول أصول التفاوض والقانون الدولي والديبلوماسية.
الأمر المفاجئ أن دي ميستورا سمع من حلفاء المعارضة وتحديداً من المبعوث الأميركي إلى سورية مايكل راتني أن مؤتمر الرياض هو «ممثل المعارضة» مع بحث انخراط باقي الأطراف، بينها أن راتني سيلتقي رئيس «مجلس سورية الديموقراطية» هيثم مناع في جنيف في ١٣ الجاري. ودعمت الحكومة الألمانية «شرعية» مؤتمر الرياض، إضافة إلى الموقف الداعم المتوقع من باريس ولندن وأنقرة والدوحة وأبو ظبي. وعبرت هذه الدول عن تمسكها بمخرجات مؤتمر الرياض في أنها دعت المنسق العام للهيئة المعارضة رياض حجاب إلى جولة غربية - عربية بدءاً من اليوم لتشمل لقاءات مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ووزير الخارجية الألماني فرانك - فالتر شتاينماير ومسؤولة الشؤون الأمنية والخارجية في الاتحاد الأوروبي فريدريكا مورغيني ومسؤولين إماراتيين. (وتجرى مقايضات للاتفاق على رئيس «الائتلاف الوطني السوري» المعارض بعد انتهاء ولاية خالد خوجة. والمنافسة بين ميشال كيلو وجورج صبرا وعبدالباسط سيدا ما لم يجدد لخوجة).
الأمر المفاجئ الآخر، ما سمعه المبعوث الدولي من نائب وزير الخارجية التركي فريدون سينيرلي أوغلو إزاء التشديد على ضرورة «عدم اللعب» في وفد المعارضة وأن تشكيل وفد المعارضة «أمر يخص السوريين» وفق عملية فيينا وخلاصات «المجموعة الدولية لدعم لسورية»، إضافة إلى ضرورة تحديد «جدول زمني» للخروج في نتائج من المفاوضات وألا تكون «المفاوضات عملية لشراء الوقت» وسط شكوك تركي في النيات الحقيقية لروسيا.
العقدة الجوهرية في المفاوضات، وفق استنتاجات مسؤولين غربيين وسوريين، تكمن في جدول الأعمال لـ «جنيف - ٣» وهي تعكس الفجوة في النظر إلى العملية السياسية. بالنسبة إلى المعارضة، طلب منسقها العام جدول أعمال محدداً للمفاوضات وبرنامجاً زمنياً، بحيث تبدأ في مناقشة هيئة الحكم الانتقالية باعتباره «البند الأول» على الأجندة وفي القرار ٢٢٥٤ و «بيان جنيف»، لتخوفها من «تكرار تجربة جنيف - ٢، عندما تهرب وفد الحكومة من بحث هيئة الحكم وأراد التركيز على محاربة الإرهاب» و «قلقها من أن تكون مفاوضات غطاء لاستمرار الحل العسكري».
وبالنسبة إلى دمشق، فإن التاريخ يعيد نفسه أيضاً بعد سنتين من «جنيف - ٢»، إذ إن «الأولوية لمحاربة الإرهاب» و «الأولوية هي لتنفيذ القرار ٢٢٥٣، بحيث يجرى البحث في «وقف تمويل الإرهابيين وتسليحهم وتدريبهم»، إضافة إلى الضغط على تركيا لـ «إغلاق» حدودها مع شمال سورية، وإلى «استمرار العمليات العسكرية الهجومية ضد الإرهابيين» و «خيار التسويات والعودة إلى حضن الوطن لمن يريد من المسلحين».
«الوصفة السحرية» التي ابتكرها دي ميستورا لا تختلف عن اقتراح سلفه الأخضر الإبراهيمي، في أن تجرى المفاوضات موازية بين المسارين السياسي والعسكري، ذلك أن هناك مسارين: مسار سياسي ودستوري وإصلاحي، ومسار عسكري وأمني وميداني. والصيغة، التي يأمل دي ميستورا بأن يبيعها إلى المسؤولين الأميركيين والروس بعد أيام، في أن يباركوا «توازي المسارين»، بحيث يطرح وفد الحكومة ما يريد في المسار السياسي وفهمه العملية السياسية القائم على «مفاوضات من دون سقف زمني لتشكيل حكومة وحدة وطنية على الدستور الراهن لعام ٢٠١٢ وتمهد للتمديد للبرلمان الراهن الذي تنتهي ولايته منتصف العام، ثم تعديل الدستور وطرحه للاستفتاء ثم إجراء انتخابات برلمانية فقط».
كما يستطيع، وفق هذه الوصفة، وفد المعارضة طرح تصوره في هذا المسار، ويقوم على تشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة ترث شرعية الدولة السورية وتمثلها في الأروقة الدولية وتمهد لدستور جديد وانتخابات برلمانية ورئاسية جديدة من دون مشاركة الرئيس بشار الأسد.
وفق مسؤول غربي، سيواجه الأميركيون والروس مرة أخرى اختبار التفاهمات القائمة بينهم: هل هناك رغبة للوصول إلى نظام سياسي جديد في سورية أم إعادة إنتاج النظام؟ هل هناك رغبة بعملية سياسية لإنتاج حل عميق للأزمة السورية أم إنه اهتمام بإطلاق عملية لمجرد العملية؟ هل يريد الرئيس فلاديمير بوتين مخرجاً سياسياً للتدخل العسكري إم شراء الوقت لإنهاء المعارضة المعتدلة ثم طرح معادلة النظام أو «داعش»؟ هل يريد الرئيس باراك أوباما استثمار آخر أيامه في إنتاج اتفاق نهائي، أم إنه يريد إطلاق عملية كي يقول أن ولايته لم تنته قبل أن يضع «أكبر كارثة إنسانية» منذ الحرب العالمية الثانية على سكة المسار السياسي؟