في الذكرى الخامسة عشرة لرحيله يبقى الإمام محمد مهدي شمس الدين الأكثر حضورا في الروح والعقل والوطن من خلال الفكر الذي أرساه في بناء الوطن وتحصين الطائفة ، واليوم تحديدا ومع التحديات التي فرضتها الأحداث العربية والعالمية نجد اليوم أنفسنا كلبنانيين وكشيعة وكوطن أكثر حاجة لحضوره وفكره ووصاياه .
فيما يلي مقتطفات من وصاياه الخالدة إلى عموم الشيعة إذ يقول : وأبدأ هذه الوصايا بوصيتي إلى عموم الشيعة: أوصي أبنائي إخواني الشيعة الإمامية في كل وطن من أوطانهم، وفي كل مجتمع من مجتمعاتهم، أن يدمجوا أنفسهم في أقوامهم وفي مجتمعاتهم وفي أوطانهم، وأن لا يميزوا أنفسهم بأي تميز خاص، وان لا يخترعوا لأنفسهم مشروعاً خاصاً يميزهم عن غيرهم، لأن المبدأ الأساس في الإسلام ـ وهو المبدأ الذي أقره أهل البيت المعصومون عليهم السلام ـ هو وحدة الأمة، التي تلازم وحدة المصلحة، ووحدة الأمة تقتضي الاندماج وعدم التمايز. وأوصيهم بألاً ينجروا وألاً يندفعوا وراء كل دعوةٍ تريد أن تميزهم تحت أي ستار من العناوين، من قبيل إنصافهم ورفع الظلامة عنهم، ومن قبيل كونهم أقلية من الأقليات لها حقوق غير تلك الحقوق التي تتمتع بها سائر الأقليات.
إن هذه الدعوات كانت ولا تزال شراً مطلقاً، عادت على الشيعة بأسوأ الظروف الشيعة يحسنون ظروف حياتهم ومشاركتهم في مجتمعهم عن طريق اندماجهم في الاجتماع الوطني العام، والاجتماع الإسلامي العام، والاجتماع القومي العام، ولا يجوز ولا يصح أن يحاولوا ـ حتى أمام ظلم الأنظمة ـ أن يقوموا بأنفسهم وحدهم بمعزل عن قوى أقوامهم بمشاريع خاصة للتصحيح والتقويم، لأن هذا يعود عليهم بالضرر ولا يعود على المجتمع بأي نفع. وقد جرت سيرة وسنة أهل البيت (عليهم السلام) على هذا النهج، ووصايا الإمام الباقر والإمام الصادق وغيرهما من الأئمة (عليهم السلام) هي على هذا النهج. فقد ظهرت في العقدين أو العقود الأخيرة من السنين ظاهرة في دائرة الشيعة العرب بشكل خاص، وبدائرة الشيعة بوجه عام، وهي إنشاء تكتلات حزبية سياسية بوجه خاص لغرض المطالبة بحقوق الشيعة، أو إظهار شخصية الشيعة، أو الدفاع عن حقوق الشيعة.
وهذه التكوينات ـ بحسب رصدنا لما آلت إليه ـ لم تؤد إلى أية نتيجة تذكر، بل أدت إلى كثير من الأزمات، وعمّقت الخوف والحذر وسوء الظن والتربص في أنفس بقية المسلمين في المجتمع من خصوص طائفة الشيعة، وسعت نحو عزلهم بشكل أو بآخر عن الحياة العامة وعن التفاعل مع نظام المصالح العامة