لن يحمل الحوار الوطني الموسع الذي يرعاه رئيس المجلس النيابي نبيه بري ظهر اليوم في مقر الرئاسة الثانية والآخر الذي يستضيفه ليلاً بين تيار «المستقبل» و «حزب الله» أي مفاجأة تذكر. ويكاد يكون الجامع الوحيد بينهما تأكيد «ربط النزاع» طالما أن ملء الشغور في الرئاسة الأولى إلى مزيد من الترحيل أسوة بقانون الانتخاب الجديد الذي يناقش حالياً في لجنة التواصل النيابية المكلفة وضع هذا القانون، مع أن رئيسها النائب في حزب «القوات اللبنانية» جورج عدوان يتحدث عن تحقيق تقدم لا ذكر له على لسان أعضاء اللجنة ممن يقولون في مجالسهم الخاصة إن البحث لا يزال مفتوحاً على كل الاحتمالات ولم يتم الاتفاق حتى الساعة على البنود التي يمكن التأسيس عليها لإنتاج قانون جديد.
ومع أن الحوار الموسع سيركز على تفعيل العمل الحكومي من خلال إعادة الاعتبار لانتظام انعقاد جلسات مجلس الوزراء لئلا يبقى جدول أعماله «بلا دسم» سياسي في ظل استمرار الاختلاف على آلية إصدار القرارات والتصويت عليها بدءاً من الجلسة المقررة الخميس المقبل، فإن عودة الحوار الثنائي بين «المستقبل» و «حزب الله» يأتي هذه المرة على إيقاع ارتفاع منسوب التوتر المذهبي والطائفي ويتلازم مع التحضيرات الجارية لعقد لقاء بين رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون ورئيس «القوات» سمير جعجع في ضوء الترويج لموقف تاريخي يصدر عن الأخير يؤيد فيه ترشيح «الجنرال» لرئاسة الجمهورية.
ماذا عن الحوار الثنائي؟
بالنسبة إلى حوار «المستقبل» - «حزب الله» ينقل زوار رئيس المجلس عنه قوله إن هذه الجلسة ستكون من أهم الجلسات الحوارية لأنها تعقد مع تصاعد وتيرة الاحتقان السني - الشيعي في المنطقة على خلفية إعدام الشيخ نمر النمر ورد فعل إيران و «حزب الله» على إعدامه.
ويؤكد الزوار أن بري سيبذل قصارى جهده لمنع الفتنة السنية - الشيعية في لبنان، وأنه لن يقف أمام التضحيات للحفاظ على وحدة المسلمين في لبنان كأساس لحماية الوحدة بين المسلمين والمسيحيين.
ويضيف هؤلاء أن جلسة الحوار هذه مطلوبة أكثر من أي وقت مضى لتوجيه رسالة فحواها عدم التفريط بالوحدة الإسلامية وبالتالي فإن الحوار الثنائي هو بمثابة النافذة الوحيدة لخفض منسوب التوتر الطائفي والمذهبي واستيعاب الاحتقان الذي يكاد يسيطر على المنطقة.
ويعتبر بري - كما ينقل عنه الزوار - أن الاختلاف لا يمنع الجلوس حول طاولة واحدة تكاد تكون الطاولة الوحيدة في المنطقة التي يلتقي فيها السنة والشيعة.
ومع أن بري لم يحبذ احتدام السجال بين «المستقبل» و «حزب الله»، فإن مصادر سياسية مواكبة لردود الفعل وتبادل الحملات بين الطرفين تعتقد أن من حق الرئيس الحريري أن يرد على ما صدر عن السيد حسن نصرالله من حملة على المملكة العربية السعودية.
وترى أن الحريري توسع في رده، لكنها تتعامل مع رد رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد على أنه ذهب بعيداً في رده وارتجل مواقف سياسية لا يمكن السكوت عنها، خصوصاً عندما أشار في طريقة غير مباشرة إلى زعيم «المستقبل» بأن لا مكان له في لبنان.
وتؤكد أن موقف رعد هذا تسبب بمزيد من الاحتقان، وتقول: «لا نعرف رد فعل قيادة حزب الله على موقفه من الحريري لجهة إقصائه عن الشراكة السياسية في البلد وصولاً إلى إخراجه من المعادلة القائمة حالياً مع أن القرار ليس بيده ولن يكون في مقدوره أن يشطبه من الحياة السياسية».
موقف إيران
وتعتقد المصادر نفسها أن لا مصلحة لإيران في دفع البلد إلى هاوية الفلتان الأمني والانحلال السياسي، وترى أن التصعيد بلغ ذروته ولم يعد هناك مبرر لإقحام لبنان في دوامة من الفوضى، خصوصاً أن الاحتكام إلى السلاح أو الاستقواء به سيزيد من هذا الاحتقان.
وتسأل المصادر عينها ما إذا كانت طهران لا تدعم الجهود الرامية إلى إنجاز تسوية سياسية في لبنان بذريعة أنها مرتاحة إلى وضع حليفها «حزب الله» في وقت تبدو مربكة في المنطقة وبالتالي تبقى عليه ورقة إلى حين وضوح الرؤية السياسية والعسكرية في سورية؟
كما تسأل أيضاً عن الضمانات السياسية التي تبقي طهران على ارتياحها إلى الوضع في لبنان إلى أمد طويل وهل تستطيع أن تبني موقفها هذا على التمنيات ما لم تكن مقرونة بوقائع على الأرض؟
وفي تقدير هذه المصادر أن بري قد يكون على حق في قوله إن ملف الرئاسة الأولى وضع في الثلاجة، لكن لا بد من إعادة تحريكه في الربيع المقبل، وهذا ما يعيد الاعتبار إلى مبادرة الحريري لملء الشغور الرئاسي بدعم ترشح زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية للرئاسة.
ماذا بين عون وجعجع؟
وفي هذا السياق لا بد من تسليط الأضواء على الاستعدادات السياسية القائمة تمهيداً للقاء عون - جعجع ورد فعل «قوى 14 آذار» في حال حزم رئيس «القوات» أمره ووقف إلى جانب ترشح «الجنرال» لرئاسة الجمهورية.
وعلمت «الحياة» من مصادر بارزة في «14 آذار» أن قياداتها التقت ليل أمس برئاسة رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة وفي حضور ممثلين عن جميع مكوناتها، إضافة إلى المستقلين فيها. وناقشت بنداً وحيداً يتعلق بصحة ما يقال عن أن لقاء عون - جعجع أصبح وشيكاً وأن هناك رغبة لدى الطرفين، ولاعتبارات أمنية في الإبقاء عليه سرياً، إلى حين حصوله في معراب مقر رئيس «القوات».
وتلفت هذه المصادر إلى أن مجرد حصول هذا اللقاء ستكون له تداعيات على مستقبل «14 آذار». وتشير إلى تذرع «القوات» بأن لا مانع من عقده لأنه كان سبق للحريري أن التقى عون من دون التنسيق أو التشاور مع حلفائه، ما ترى أنه شكل خطأ، لكن ترشيح جعجع لعون من وجهة نظر أكثرية الأطراف فيها يمكن أن يشكل خطأ أكبر.
وتسأل ماذا سيربح جعجع من دعمه ترشح عون، وهل يستطيع أن يحافظ على موقعه المميز في داخل «14 آذار» وعلى حضوره الإسلامي، خصوصاً بين السنّة وعلى علاقاته العربية في ضوء ما حققه على هذا الصعيد، أم أن تطويره «إعلان النيات» الذي أبرمه سابقاً مع «الجنرال» يتيح له التعويض عن اهتزاز علاقاته في أمكنة سياسية أخرى.
هل من جامع سياسي بينهما؟
وفي المقابل، فإن مصادر رفيعة في «التيار الوطني الحر» و «القوات» أخذت تتصرف على أن اللقاء بينهما حاصل لا محالة وأن التحضيرات السياسية له ناشطة على أكثر من صعيد، لا سيما بالنسبة إلى جعجع الذي يواصل لقاءاته بكوادر أساسيين في «القوات» ليشرح لهم وجهة نظره والأسباب الموجبة للانتقال من «إعلان النيات» إلى دعمه ترشح عون للرئاسة.
وتؤكد هذه المصادر أن جعجع يولي في لقاءاته الحزبية اهتماماً خاصاً بـ «الحرس القديم» في «القوات» الذين كانوا رأس حربة في حرب الإلغاء التي خاضوها ضد عون أثناء وجوده في القصر الجمهوري في بعبدا.
وتقول إن جعجع وعون كانا أسقطا الاتفاق الثلاثي الذي أبرم في عام 1986 بين «القوات» برئاسة إيلي حبيقة آنذاك وبين الحزب «التقدمي الاشتراكي» وحركة «أمل» برعاية مباشرة من سورية لأنه يتيح للنظام في سورية الهيمنة على لبنان.
وإذ تذكر بأن إسقاط هذا الاتفاق حصل في 15 كانون الثاني (يناير) 1986، تلفت إلى أن جعجع يعارض وصول فرنجية إلى الرئاسة لأنه حليف للنظام الحالي في سورية.
إلا أن إصرار «القوات» على وضعها إسقاط «الاتفاق الثلاثي» في سلة واحدة مع إبعاد فرنجية عن الرئاسة - ومن وجهة نظرها هذه - قد يشكل إحراجاً لعون الحليف للنظام السوري و «حزب الله». لكنه لا يمنع السؤال ما إذا كان اللقاء المرتقب بينهما سيُعقد في التاريخ نفسه، أي مع حلول الذكرى الثلاثين لإسقاط الاتفاق الثلاثي.
وإلى أن يحين موعد هذا اللقاء، يقول مصدر بارز مقرب من عون، إنه سيعقد وأن مجرد حصوله سيشكل إحراجاً للأطراف المسيحيين الآخرين وقد يدفع حزب «الكتائب» إلى الانضمام إليه باعتبار أنه يجمع بين أكبر قوتين في الشارع المسيحي تحت سقف قطع الطريق على انتخاب فرنجية رئيساً للجمهورية، «لكن من غير الجائز أن نستبق موقفه قبل صدور موقف مشترك عن اجتماعهما في معراب».
ويؤكد المصدر أن التحضيرات تجاوزت تأييد جعجع ترشيح عون باعتبار أنه قائم ولا مجال للعودة عنه، ويقول إن البحث يدور حالياً حول مرحلة ما بعد ترشيحه وانتخابه رئيساً في حال تأمن النصاب القانوني لجلسة الانتخاب.
ويضيف أن عون يعتمد على دور «حزب الله» في إقناع بري بتأييده، لكنه سيتجنب أي إشارة إلى موقف الحزب من لقاء حليفه بجعجع، خصوصاً إذا اقترن بتفاهم على أمور سياسية وأولها قانون الانتخاب الجديد.
بدوره يقول مصدر في «القوات» إن إصرار جعجع على إبعاد فرنجية عن رئاسة الجمهورية لا يعني تفريطه بوحدة «14 آذار» أو بعلاقته مع الحريري من موقع تنظيم الاختلاف بينهما حول الملف الرئاسي.
ومع أن هذا المصدر يحاول أن يوحي بأن تأييد جعجع لعون لن يرتب تداعيات داخل «14 آذار» وتحديداً على علاقته بالحريري بذريعة أن رئيس «القوات» على موقفه إسناد رئاسة الحكومة إلى الأخير وأن لا عودة عن قراره في هذا الخصوص، فإن تبسيطه لردود الفعل والتخفيف منها يتعارض مع الأجواء التي تسيطر حالياً على علاقة «القوات» بـ «المستقبل».
ويؤكد أن موضوع إسناد رئاسة الحكومة إلى الحريري هو موضع نقاش بين عون وجعجع، إضافة إلى قانون الانتخاب والعلاقة مع «حزب الله» وسلاحه في الداخل ومشاركته في الحرب في سورية إلى جانب الرئيس بشار الأسد.
لذلك، فإن لقاء عون - جعجع - بحسب مصادرهما بات وشيكاً، لكن هذا لا يعني أن مرحلة ما بعد تفاهمهما على رئاسة الجمهورية لن تحمل ردود فعل أقل ما يقال فيها إن الطريق إلى بعبدا ليست سالكة حتى إشعار آخر، مع أن تفاهمهما يمكن أن يدفع في اتجاه إعادة خلط الأوراق السياسية من دون أن يؤدي هذا إلى إخراج الرئاسة من الثلاجة على الأقل في المدى المنظور.