يلخّص السيد الأمين الوضع القائم في منطقتنا العربية الاسلامية بقوله: “ان التحالفات القائمة حالياً مختلفة عن ما شهده التاريخ القريب والتي أدّت الى الحروبالعالمية الواسعة. وكان من الملاحظ أن تلك التحالفات كانت تضم دولاً كبيرة وقوية وكانت الأطراف المؤلفة من هذه الدول تتنازع على النفوذ والسيطرة الاستعمارية أو الاقتصادية الاستراتيجية، كما حدث في الحربين الأولى والثانية، فالظاهرة التي نشهدها اليوم تبعث على الحيرة والغموض، لأنها لا تشبه في تمظهراتها تلك الأحلاف التي عرفناها في هذه الحروب بل العكس هو الصحيح. فنحن نرى هذه الدول الكبرى تنشئ أحلافا يجمع بينها راية هدف معلن وهو محاربة الإرهاب”.
ومن هنا يستنتج السيّد الأمين ان تلك الاحلاف أنشئت لغايات مختلفة فيقول:” أنا على الأقل لا أرى أن تنظيماً إرهابياً أو مجموعة صغيرة من التنظيمات الإرهابية، تحتاج إلى هذا الحجم من الأحلاف. وبالتالي فإن هذا يبعثني على الشك في الأهداف والمقاصد والغايات التي تقف وراء هذه الظاهرة غير المسبوقة على مستوى العالم.وأستحضر في هذا المجال، الحرب التي شنتها أميركا على تنظيم القاعدة ودولتها في أفغانستان والتي كان يكفي في إنجازها أن تقوم أميركا وحدها بهذه المهمة، وهذا ما يزيد الشكوك في أهداف هذه التحالفات المتقابلة وأن يكون وراؤها أهدافاً أبعد من محاربة تنظيم إرهابي”.
وفي مجال الشك بأهداف هذه الأحلاف يتخوّف السيّد الأمين “في أن يكون انشاء تلك التحالفات نتيجة توافق ضمني على تقاسم النفوذ على الأقل في منطقة النفط والغاز حيث توجد هذه الثروات التي تزخر بها المنطقة وأن تكون مكافحة الإرهاب ذريعة لذلك، خاصة إذ لاحظنا أن المسار الذي تتخذه هذه الحرب من قبل هذه القوى الكبرى يبدو بطيئاً، بل يبدو مراوغاً لجهة حسم المعركة ضد الإرهاب التي لا نصدق أن التقنيات العسكرية الكبرى غير قادرة حتى الآن على استئصال تنظيم داعش، بل نلاحظ أن تنظيم داعش يكاد يكون أقل استهدافاً في سوريا على الأقل من قوى المعارضة وتنظيماتها.”
ويستدرك السيّد الأمين مبرزا دور ظاهرة العنف والتعصّب الديني في انفجار الصراع الدموي في المنطقة فيقول: ” هذا التواطؤ بين الدول الكبرى على استباحة دولنا لا يعني أن المنطقة العربية الإسلامية لا تشهد انفجار ظاهرة جديدة هي ظاهرة العنف الفكري والمادي والدموي بإسم الإسلام، لهدف إقامة نظام إسلامي تشرحه الأدبيات التي تطلقها هذه التنظيمات المتطرفة، ومن وجهة نظرنا فإن فشل الأنظمة السياسية التي حكمت بلادنا منذ حوالى 100 سنة وحتى اليوم في كافة حقول الاجتماع العربي والإسلامي، لا بد أن يعزز ردود فعل عنيفة، فعندما تستحيل الديموقراطية ومجالات التغيير والإصلاح في مثل هذه الأنظمة القائمة أيضاً على الدكتاتورية والعنف ضد شعوبها فإن منطق التاريخ لا يستبعد، أن لم يكن يحتّم ردود فعل عنيفة وهي ردود الفعل التي نشهدها، وبالتالي، فإن قيام هذه الإرهابية العنيفة برأينا يفتح شهية الدول الكبرى على رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط كما تشيء بذلك بعض الأدبيات السياسية الغربية نفسها”.
وحول انشاء التحالف الإسلامي الذي انشىء قبل اسبوعين في الرياض، يستطرد السيّد الأمين ويقول: “كل ما نخشاه أن لا يكون هذا التحالف حقيقياً ومتجهاً حقاً إلى التضامن الجدّي لتولّي هذه المهمة وهي القضاء على التنظيمات الإرهابية، وأن يكون جزءاً من صراعات النفوذ داخل المنطقة، وإلا فإن تحالفاً إسلامياً حقيقياً صادقاً وجدياً سيلغي مبرّر تدخل القوى الدولية الكبرى لأنه بالتأكيد يملك المعطيات التي تمكنه من تصفية الإرهاب داخل المنطقة دون الاستعانة بالدول الكبرى”.
وعن كيفية التخلص من الإرهاب في المنطلق الديني الإسلامي، يلفت السيد الأمين: أن هناك أزمة حقيقية داخل بنية الإسلام تتخذ شكل التعبئة المذهبية بصورة لم نألفها في تاريخنا المعاصر والقريب، أحسب أن هذه الظاهرة هي إحدى تجليات تراجع الحضارة الإسلامية واستشراء مظاهر التخلّف وخصوصاً منه الفكر الديني نفسه، فمنذ انهيار مؤشرات النهضة الإيجابية التي شهدها جزء كبير من العالم الإسلامي بعد سقوط الأمبراطورية العثمانية، وتراجع هذه النهضة تحت وطأة عوامل كثيرة، ومنها النظم التي أقامها الاستعمار الغربي منذ عشرينات القرن الماضي واستبعاد قوى النهضة الإسلامية التي لم تكن قد اكتملت بعد، كان من شأنه أن أعاد الفكر الديني إلى نقطة الصفر من جديد، الأمر الذي جعله يستولد مناخاً طائفياً ومذهبياً ويبعد الفكر المتنوّر عن صياغة رؤى جديدة لاستكمال حركة النهضة الإسلامية”.
إن الصراع المذهبي داخل الإسلام لا يمكن أن يأخذ هذا الشكل المتوحِّشً لو ان التيارات التنويرية داخل الإسلام وفكر الإسلام كانت حاضرة.