فيما ينتظر لبنان عاصفة مناخية متوقعة بعد اسبوع تحمل معها الثلوج الى علو منخفض، تهب عليه الرياح السياسية والمالية من كل حدب وصوب. وفيما تشلعت قوى 8 اذار وتواجهت برفضها "مبادرة" ترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، هبت العاصفة مجدداً على قوى 14 اذار التي لم يقبل بعضها بالمبادرة فبادر الى ردة فعل غير متوقعة. وعلمت "النهار" أن لقاء قيادياً لهذه القوى عقد مساء أمس بدعوة من رئيس كتلة "المستقبل" الرئيس فؤاد السنيورة وحضره ممثلا "القوات اللبنانية" النائب جورج عدوان الذي أبلغ المجتمعين أن خيار "القوات" هو السير بترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية مثلما كان خيار الرئيس سعد الحريري في ترشيح النائب فرنجية، داعياً الى التعامل مع هذا الخيار بهدوء. فكان جواب "المستقبل" أن التعامل مع فرنجية مختلف عن التعامل مع عون الذي يعني إعتماده خيار تسليم لبنان الى "حزب الله" وتالياً الى محور إيران، في حين ان أمر فرنجية مختلف ولن يذهب الى هذا المدى مع "حزب الله". وقد إتخذ ممثل الكتائب موقفاً مماثلاً لموقف "المستقبل". وأنتهى الاجتماع الى تباين بين "القوات اللبنانية" وسائر مكونات 14 آذار. وأبلغت مصادر المجتمعين أن موقف الوزير جبران باسيل في القاهرة يؤثر سلباً على إمكان تبني ترشيح العماد عون، و"من المرجح أن يكون الاتجاه الغالب بعدما وضع الرئيس نبيه بري ترشيح فرنجية في الثلاجة أن يبقى ترشيح عون من دون إنطلاق على ان يتم تفعيل عمل الحكومة بالتي هي أحسن".
من جهة ثانية، برز موقف سعودي لافت من الاستحقاق الرئاسي نقله المتصلون بالرئيس ميشال سليمان الذي عاد من الرياض أمس بعدما التقى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، كما الرئيس سعد الحريري. وعلمت "النهار" ان الرئيس سليمان سمع في اللقاء مع الملك سلمان أن المملكة مع عدم إدخال ملف الرئاسة في لبنان في الصراع السعودي - الايراني، لكن المشكلة أن إيران لا تفصل الرئاسة في لبنان عن صراعها مع المملكة. وقد سمع سليمان ايضا من المسؤولين السعوديين ان التأخير في الهبة المخصصة للجيش ليس من الرياض وإنما لإسباب تقنية تتعلق بفرنسا ولبنان.
الحركة السياسية
واذا كان الاسبوع الطالع يشهد حركة سياسية تخرق الجمود الذي ساد منذ العطلة وتعطيل المبادرة الرئاسية، فانها لا تعكس بالضرورة تقدماً جدياً في مجمل الملفات العالقة اذ تجري حركة اتصالات واسعة لتذليل العقبات وخصوصاً من أمام جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل، ويتم التركيز في الاتصالات مع "التيار الوطني الحر" على تعيينات ممكنة في المجلس العسكري من دون قيادة الجيش.
واذا كانت الانظار اتجهت الى القاهرة حيث انعقد اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب واعترض الوزير اللبناني جبران باسيل على البيان النهائي الذي وصف "حزب الله" بـ"الارهابي"، فان رئيس الوزراء تمام سلام أقفل الباب على الاجتهادات واطلاق المواقف فأكدت مصادره ان الموقف الذي أعلنه باسيل جاء بالتنسيق مع رئيس الوزراء وتم التفاهم عليه سلفاً.
وأفادت مصادر وزارية ان وزير الخارجية اضطر، في ظل الإصرار على ادراج بند ادانة "حزب الله"، الى الامتناع عن التصويت، نظراً الى ان الحزب عضو في الحكومة اللبنانية ونظرًا الى ما يرتبه مثل هذا القرار على الوضع الداخلي عموماً والحكومي خصوصاً.
الحكومة
واذ أمل رئيس الوزراء ان تنجح جلسة الخميس في إقرار البنود المدرجة بما يساعد على تسيير شؤون المواطنين، اكد لـ" النهار" حرصه على تحييد المجلس عن القضايا الخلافية، مشيراً الى ان قضايا الناس يجب ان تعالج وان الحلول للأزمات السياسية لم يكن يوما عبر الحكومة". ولفت الى ان البلاد مرت بظروف عدة مشابهة بينت انه ما دام الحل ليس في مجلس الوزراء، فلتترك الحكومة تعمل وتؤمن مصالح الناس والمؤسسات تلافيا للسقوط في إستحقاقات تتناول صدقية الدولة وسمعتها والتزاماتها.
وإذ كشف ان هناك أكثر من ٥٠٠ بند متراكم، قال انه اختار ١٤٠ بنداً لدرسها في الجلسة المقبلة، آملاً في ان تتمكن الحكومة من إنجاز كل الملفات المتراكمة لديها. واستبعد ان يمتنع فريق عن حضور الجلسة مشيرا الى ان مسؤولية الوزراء كما رئيس الوزراء القيام بواجباتهم تجاه الدولة ومؤسساتها والمواطنين. وعليهم ان يدركوا ان شل المجلس يترتب عليه ضرر كبير على البلاد في ظل المخاطر المحيطة بها".
وعن امكان طرح بنود من خارج جدول الاعمال وخصوصا بند التعيينات العسكرية او النفايات، قال سلام: "ان التوجه المبدئي الإلتزام جدول الاعمال. اما اذا ارتأى وزراء تناول موضوع يتسم بطابع الضرورة أو العجلة وكان ثمة توافق من الجميع على مناقشته فلا مانع، لكن المهم الا تخرج الجلسة عن روح النقاش البناء والتوافق".
وسئل هل الجلسة مؤشر لعودة الحكومة الى العمل، فأجاب: "آمل في ذلك، واعتماد التوافق في مقاربة العمل الحكومي يمكننا من العمل بشكل منتج وعملي فترة طويلة، وخصوصاً اذا أبقينا الأمور الخلافية خارجا".
وعلمت "النهار" من مصادر وزارية ان الطريق السالكة أمام عقد الجلسة العادية ليست كذلك أمام إقرار جدول أعمالها الذي يضم الى 140 بنداً 104 مراسيم عادية. وفيما يقوم الرئيس سلام بإتصالات من أجل التوافق على هذه البنود، تبيّن أنه نجح جزئيا لكنه لم يستطع إقناع مكونات المجلس بإقرار بنود تعتمد مبدأ التراضي وخصوصا بعد تجربة ترحيل النفايات التي ظهر أنها لم تنجح بدليل أن الشركة الهولندية لم تستطع حتى الان إيجاد جهة تستقبل النفايات مما يعيد الملف الى المربع الاول.
الحواران
ومن المتوقع ان تشكل جلستا الحوار الوطني ظهر اليوم، والحوار الثنائي مساء، كاسحة الغام أمام العمل الحكومي، اذ أكدت مصادر وزارية لـ "النهار" ان "الجميع باتوا مقتنعين بضرورة اعادة تفعيل العمل الحكومي ما دام الاستحقاق الرئاسي مؤجلاً".
وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زواره ان حوار "حزب الله" و"تيار المستقبل" سيتواصل اليوم"وماشي وأهم شيء استمراره. أما بالنسبة الى المواضيع التي سيتناولها الطرفان فهذا يعود اليهما".
وتوقع تبادل العتب والملاحظات بينهما، لكنه لاحظ "ان الاجواء في اليومين الاخيرين كانت ايجابية واصبحت أفضل، وان اجتماعهما (اليوم) سيساهم في تنفيس الاحتقان". وهو الامر الذي اكده ايضا رئيس كتلة "المستقبل" النيابية الرئيس السنيورة الذي قال"إن الأمور التي سمعناها وسببت تشنجاً وتوتراً ستكون مادة للبحث" (في إشارة إلى كلام النائب محمد رعد)، مؤكداً أن ليس "لا مصلحة لأحد في أن ترتفع نبرة الخطاب السياسي والتنكر لصيغة لبنان ولاتفاق الطائف".
المبادرة الرئاسية
أما المبادرة الرئاسية، فأجمع بري والسنيورة على استمرارها. فقال السنيورة إن الأفكار المتعلقة بمبادرة الرئيس سعد الحريري الرئاسية لا تزال على الطاولة ولم تسحب ولكن أتت ظروف أخذت هذا الأمر بعيداً من الاهتمام. وأضاف أن أحد أسباب توقف التسوية هو موقف "حزب الله" الذي يضع شروطا كي لا تتم.
ورأى بري ان المبادرة الرئاسية لترشيح النائب سليمان فرنجيه التي قال عنها إنها في "الثلاجة"، لا تزال حية "لأن اصحابها لا يزالون يتمسكون بها". وسئل، وإذا أقدم الدكتور سمير جعجع على ترشيح العماد عون للرئاسة؟ أجاب: "لينزل الجميع الى البرلمان ومن يربح أهلاً وسهلاً به".