عندما يأتي اليوم الذي سيدون فيه التاريخ تفاصيل الحرب السورية التي انطلقت كحركة مدنيه في درعا مطالبة بإصلاح بعض تجاوزات النظام. وتطورت إلى ثورة مسلحة.
ثم أفلت عقالها لتتحول إلى حروب أهلية متنقلة ومنتشرة على معظم الأراضي السورية.
حتى وصل الأمر لأن تصبح حربا عالمية تشارك فيها معظم دول العالم. عندما يأتي ذلك اليوم بالتأكيد سيكون لقرية مضايا حيزا واسعا من الصفحات السوداء لتاريخ هذه الحرب. فمشاهدة الصور المرعبة عن حال السكان في تلك القرية البائسة.
الأطفال منهم والنساء والشيوخ والشباب والتي تبدو أجسادهم كالهياكل العظمية بكل ما للكلمة من معنى لحاجة أصحابها إلى الغذاء.
تعبر عن نفسها وتتحدث عن مدى المأساة التي وصل إليها الناس هناك جراء الحصار الذي فرض عليهم. وعن مدى الوحشية والاجرام الذي يمارسهما النظام بحق الشعب السوري باعتماده نوعا من الحروب الجديدة تفوق بهمجيتها الحروب العسكرية المسلحة وتتجاوز بفظاعتها حتى الاستخدامات الكيميائية. وهي حرب التجويع التي تجعل الإنسان فريسة الموت البطيء عشرات المرات في اليوم بحيث يمنع وصول المواد الغذائية الحيوية الضرورية لحياة الإنسان بسبب الحصار المشدد.
لكن مع تسريب صور مرعبه لأطفال ومدنيين من قرية مضايا أضطر النظام في اليومين الماضيين إلى إعلان موافقته للأمم المتحدة عن السماح بعبور بعض المساعدات إلى داخل البلدة المنكوبة للحؤول دون تعاظم المسألة واحراج حلفائه.
والتفاعلات أخذت أبعادها في لبنان في ظل تواتر معلومات عن مشاركة عناصر من حزب الله في هذا الحصار. وهو ما أتخذ بعدا إضافيا ترددت انعكاساته في الداخل اللبناني. سيما وأن حزب الله لم ينف هذه المشاركة التي تمت الاشارة إليها ضمنا او علنا على ألسنة مسؤولين أجانب متابعين للشأن السوري.
وحزب الله الذي لم يجد حتى اليوم سببا منطقيا يمكن أن يقنع به العالم عن مشاركته في الحرب السورية دفاعا عن نظام ظالم ومجرم. فأي منطق يمكن أن يعتمده للدفاع عن نفسه بمشاركته او بسماحه بتجويع زهاء اربعين ألف سوري يقيمون في مضايا بعد التشديد في حصارهم؟ وهذه المشاركة في الحصار تطرح سؤالا في وجه الحزب.
كيف ينسجم هذا الحصار التجويعي لمضايا مع عقيدته القتالية والتي يسعى من خلالها للتعالي على الآخرين؟ وكيف ينسجم ذلك مع اخلاقيته التي يرفقها بعقيدته؟
وهذه تشكل نقطة سوداء في تاريخ الحزب. من الصعب أن تزول من أذهان الناس وخصوصا الذين رأوا بأم العين صور الأجساد النحيلة والهزيلة لسكان مضايا بسبب سياسة التجويع التي فرضت عليهم.
على أن الجانب الذي لا يقل نفورا واستفزازا هو صمت المجتمع الدولي عن المأساة السورية.
والذي شجع النظام على التمادي في اجرامه من خلال إستخدامه للبراميل المتفجرة والسلاح الكيميائي وأحدث أنواع السلاح لقتل شعبه وتدمير بلده وتهجير من كتب له النجاة خارج البلاد.