بينما دان عدد من خطباء الجمعة في عدد من المدن الإيرانية حادثة الهجوم على مقر البعثات الدبلوماسية السعوديتين في طهران ومشهد، ذهب خطيب جمعة طهران محمد أمامي كاشاني، إلى أبعد من ذلك، واصفًا الهجومين بأنهما «خيانة»، واتهم جهات «مدسوسة» بأنها تقف وراء الهجوم، كما وصف المهاجمين بالجهلة والمجرمين.
ورمى كاشاني الكرة في ملعب الطرف المقابل، في المسؤولية عن الهجوم، ومنح السعودية الأفضلية في إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية، مضيفا أن «المرشد الأعلى، علي خامنئي، لا يجيز الهجوم على السفارات»، مستشهدا بموقفه حينما شن هجوم على السفارة البريطانية، وقال إن الهجوم «خيانة وجريمة». في هذا السياق، قال: «ننصح الشعب الإيراني بالالتزام بتعليمات المسؤولين»، ونوه بأن سلوكهم يجب ألا «يخون» تعاليم المرشد الأعلى، واعتبر المهاجمين على السفارة «مجرمين».
وفي إشارة إلى إدانة الهجوم من قبل البرلمان والحكومة، طالب السلطة القضائية بمتابعة التحقيق. ولفت كاشاني إلى أن بلاده «بكيانها وعظمتها وقوتها» التي تعرف بها في العالم تعرضت صورتها للتشويه بعد الهجوم على السفارة السعودية. وأثار هجوم عناصر من «الباسيج» التابع للحرس الثوري على السفارة السعودية موجة إدانة عالمية واسعة، الأسبوع الماضي، وبعد أن أصبحت طهران من المدن المعروفة بالاعتداء على السفارات، حاول المسؤولون الإيرانيون تخفيف الضغوط باللجوء إلى التصريحات المتضاربة وإطلاق الوعود.
إلى ذلك، تراجع ممثل المرشد الأعلى في مشهد، أحمد علم الهدى، بعد يوم واحد من اعتراضه على وصف المهاجمين على مقر البعثات الدبلوماسية السعودية بـ«المتطرفين» و«المتشددين» و«منتهكي القانون»، وقال إن الهجوم يخالف «مصالح النظام» ومغاير لـ«حيثية» النظام الإيراني، وقال في خطبة الجمعة أمس في مشهد إن المرشد الأعلى، علي خامنئي، عندما كان رئيسًا للجمهورية طالب «المتدينين» بعدم الصعود على حائط السفارات لأن ذلك يُلحِق أضرارًا بالثورة. وأضاف علم الهدى أن حرق البعثات الدبلوماسية منح السعودية الحجة لقطع العلاقات مع إيران، ووصف الدول العربية التي أعلنت قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران بأنهم «مستشارون» أميركيون. وكان علم الهدى قد وصف وجود الدول العربية في إيران بـ«وصمة عار».
وكان مساعد قائد الحرس الثوري الجنرال سلامي وصف الدول العربية التي قطعت علاقات الدبلوماسية مع طهران بـ«لاجئين لدى أميركا». واعتبر علم الهدى أن الهجوم على البعثات الدبلوماسية السعودية واندلاع الحريق فيها «حجة» لقطع العلاقات مع طهران، ناصحًا المواطنين بتجنب منح «الحجج» إلى «الأعداء»، لكنه في الوقت نفسه دافع عن الاحتجاج أمام مقر البعثات الدبلوماسية للتعبير عن «سخطهم». وقال في هذا الإطار إن ذلك لا يعني صعود المحتجين على حائط السفارات معتبرًا ذلك خرقًا لـ«مسؤوليات النظام»، كما طالب المهاجمين بالتصرف بـ«حكمة» في حالات مشابهة، حتى لا يستخدم من وصفهم بالأعداء «قيام الشباب بواجباتهم الشرعية» في النيات «السيئة».
وبعدما دافع ممثل خامنئي في مشهد، أول من أمس، عن المهاجمين لجأ إلى طريقة المسؤولين الإيرانيين في تبرير الهجوم واتهام جهات غير معروفة بالوقوف وراءه. وكانت مواقف المسؤولين الإيرانيين ودوائر رسمية متشددة السبت الماضي بعد إعلان السعودية تنفيذ الإعدام بحق متهمين بقضايا إرهابية. وانتقد رئيس لجنة حقوق الإنسان في إيران، محمد جواد لاريجاني موقف دول عربية وإسلامية من الهجوم على السفارة السعودية في طهران.
وفي إشارة إلى تصدير «الثورة الإيرانية» قال لاريجاني في كلمته قبل خطبة الجمعة في طهران، أمس، إن «مكتب أهل البيت» ينتشر بشكل غير مسبوق في العالم وإنه لا يعترف بـ«العرب والعجم»، ويضم الذين يعرفون الحق، وأضاف المسؤول الإيراني الرفيع الذي استضافت بلاده قيادات من القادة لسنوات، اتهم السعودية بالتضليل في إعدام نمر النمر إلى جانب قيادات من «القاعدة»، وكانت وكالات أنباء إيرانية تداولت صورًا تظهر حمل المهاجمين على السفارة لافتات تترحم على قيادي في «القاعدة». من جانب آخر، وجه لاريجاني عتابًا لتركيا وإردوغان بسبب الموقف من الهجوم على السفارة وقطع الدول العربية العلاقات الدبلوماسية ردًا على الاعتداء الذي تعرضت له البعثات الدبلوماسية والتدخلات الإيرانية في شؤون الدول العربية.
وتساءل لاريجاني عن سبب إشاعة «فوبيا الشيعة» و«فوبيا إيران» في المنطقة، مضيفًا أن ذلك يعود إلى سنوات ما بعد الثورة الإيرانية، وخصوصًا بعد أن فشلت أطراف في مصادرة «الربيع العربي»، وتابع لاريجاني أن خامنئي أطلق تسمية ذكية على «الربيع العربي» عندما وصفه بـ«الصحوة الإسلامية».
وكانت إيران استضافت في فترة الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، عددًا من المؤتمرات تحت عنوان «الصحوة الإسلامية»، في محاولة من إيران للتأثير على الأحداث التي شهدتها عدد من الدول العربية، واختار علي خامنئي، مستشاره في الشؤون الدولية على أكبر ولايتي أمينًا عامًا لمؤتمرات «الصحوة الإسلامية». من جهة ثانية، انتقد لاريجاني وصف الاتجاه الإسلامي من قبل العرب بالاتجاه القومي الإيراني معربًا عن أسفه أن تلك الاتهامات تأتي نتيجة إعلان تيارات سياسية في إيران سابقا بتبنيها «المكتب الإيراني». يذكر أن مشائي مساعد الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد أول من ادعى بأن الإسلام في بلاده هو «المكتب الإيراني».