منذ اللحظات الأولى على قيام مجموعات من المتظاهرين الإيرانيين بالإعتداء على السفارة السعودية في طهران متزامناً مع اعتداء آخر على القنصلية السعودية في مدينة مشهد الإيرانية أيضاً ، وتحاول السلطات الإيرانية لملمة تداعيات هذا الفعل بالخصوص أنّ المملكة أتقنت استغلال هذه الفعلة المدانة دولياً إلى أقصى الحدود ممّا جعل موقف الجمهورية الإيرانية محل سخط وإدانة عند مروحة واسعة من الدول حول العالم .
وفي نفس الوقت فإنّ إيران التي علمت سريعاً أنّ الزمان غير الزمان ، وأنّ الإعتداء على المراكز الديبلوماسية المحصنة بالإتفاقات الدولية لم يعد يشكل عملاً ثورياً ولا هو يعتبر من الأعمال التي يمكن أن يستثمر سياسياً أو إعلامياً بشكل إيجابي ، بل على العكس تماماً فإنّ انعكساته السلبية أكثر بكثير من أيّ إيجابية مفترضة بالخصوص عشية تطبيق الإتفاق النووي الذي ينتظره الإيرانيون على أحر من الجمر .
قيل إنّ متشددون من الحرس الثوري هم يقفون خلف عملية الإقتحام هذه بهدف تسجيل نقطة على أخصامهم الإصلاحيين وكمحاولة منهم لضرب أيّ تقارب مع الغرب يقودها فريق الرئيس حسن روحاني ، إلاّ أنني أعتقد بأنّ الحرس لا يمكن أن يقوم بخطوة من هذا الحجم بدون ضوء أخضر من المرشد ، وأنّ الأمر لا يعدو أكثر من ترسبات ثقافية لا تزال موروثة من الزمن الغابر للثورة تقوم على أوهام تفترض إمكانية التفلت من القوانين الدولية .
لذا فبعد أن "راحت السكرة " شاهدنا كيف يسعى النظام الإيراني حثيثاً للخروج من هذه الورطة، مرّة عبر الإعتذار من الأمم المتحدة والتعهد بأنّ الحكومة الإيرانية حريصة على كل المراكز الدبلوماسية وحمايتها ، ومرة عبر القول بأنّ الذين قاموا بالهجوم على السفارة السعودية ما هم إلاّ مجموعة خارجين عن القانون .
ليبقى المؤشر الأكبر على رغبة ايران في عدم التصعيد " الفعلي " مع السعودية ومحاولاتها لضبضبة الموضوع هو ردة فعل حزب الله في لبنان ، الذي اختصر على التصعيد الكلامي فقط بدون أيّ عمل ميداني على الأرض ، كالتظاهر أمام السفارة السعودية في بيروت وحصارها أو ما شاكل .
أمام هذه المساعي الإيرانية، وبإنتطار الوساطات بين الدولتين من أجل إصلاح ما فسد ، لا بد من القول أنّ السعودية هي الممسكة بزمام الأمور ، ولعلّها المرة الأولى التي تكون فيها الدبلوماسية السعودية متقدمة بخطوة على مثيلتها الإيرانية، وبالوقت التي تحوّلت فيها بعد الاعتداء من موقع الهجوم إلى موقع الدفاع ، نجد أنّ المملكة نجحت وإلى حد كبير من إمكانية فرض شروطها في حال قررت السير نحو خيار المصالحة .
وعليه فإنّ المطلوب الآن من إيران خطوات إيجابية تكون بمثابة " كفارة " لها عن سوء تصرفها، وكمؤشر عن حسن نيتها، وأتصور أنّ على المملكة تحديد مكان وحجم وزمان هذه ال " الكفارة " ... وأعتقد بأنّ لبنان هو المكان الأمثل للسير بهذا الاتجاه وأنّ تفعيل التسوية التي اقترحها الحريري ، وانتخاب سليمان فرنجية وعودة سعد إلى رئاسة الوزراء سوف تكون هي بداية الإنفراج السعودي - الإيراني المطلوب أميركياً .