ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
“البداية من التداعيات التي أحدثتها الجريمة المتمثلة بإعدام الشيخ نمر النمر، نظرا إلى العنوان الذي يحمله وموقعه ودوره والأثر الذي تركه في نفوس الكثيرين، وهو الذي تجاوز موقعه الديني والمذهبي في المطالبة بالحقوق إلى الإحساس بمظلومية كل إنسان، وهو لم يطالب بحقوق طائفة أو مذهب، بل طالب بحقوق الإنسان كل إنسان، وانتقد لحساب الإنسان، ونحن عندما ننتقد ما جرى، فإننا لا ننتقده لبعد مذهبي أو طائفي، أو لكون الشيخ النمر ينتمي إلى مذهب معين، بقدر ما نرى في ذلك ظلما على مستوى الشكل عندما يوضع الشيخ النمر مع من يحاكمون بتهمة الإرهاب، فهو لم يحمل سلاحا، ولم يفجر، ولم يقطع طريقا، ولم يكن ساعيا إلى فتنة.وهو أيضا ظلم على مستوى المضمون، فقد ورد في نص الحكم أنه خرج على ولي الأمر وعلى النظام، لأنه انتقد مسارا جائرا أو حاكما ظالما، فمتى كان الانتقاد، مهما ارتفع صوت صاحبه، يؤدي إلى الإعدام”.
وقال: “اننا نرى، ومن منطلق قيمنا وديننا وإنسانيتنا، أن موقف الرفض المبدئي للواقع الجائر الذي أطلقه الشيخ النمر، لا يضعه في موضع المدان، بل في موضع المكرمين الذين ينبغي أن يرفعوا على الأكتاف، فالحياة تحيا وتنمو وتتطور بأمثال الصادقين الذين ينطقون بالحق ويجهرون به، ولذلك سيبقى الشيخ النمر في عداد رموز المظلومين الذين حفل بهم التاريخ، ويحفل بهم الحاضر، وسينتصر منطقهم، فهذا من سنن الحياة التي أودعها الله في الحياة، بعدما آثروا الموت ورأوه سعادة على أن يذلوا ويخضعوا ويستكينوا.وإذا كان البعض يقول لنا: ما علاقتكم بهذا الأمر، فهو من جنسية وأنتم من جنسية أخرى؟ فإن الذي يتحدث بهذا المنطق يبدو أنه لا يعيش في هذا العالم الذي أصبح مفتوحا على بعضه البعض. فما يجري في بلد لا بد من أن تتفاعل معه البلدان الأخرى، وما يحدث لرمز أو موقع يترك تأثيره في الآخرين، فكيف إذا كان هذا الرمز يتجاوز بدوره حدود بلده؟.وقد بات من الطبيعي أن من يقوم بأي عمل، لا بد من أن يأخذ بعين الاعتبار تأثيرات عمله في الآخرين، ممن يفكرون دينيا ويرون أنفسهم معنيين بمن ينتمون إلى دينهم، أو يفكرون إنسانيا ويحرصون على حقوق الإنسان.ولا بد لنا في أجواء الاحتقان، من بذل كل الجهود لإبعاد هذه القضية، كما يسعى البعض، عن إطارها المذهبي، لتبقى في دائرة الإدانة القانونية والإنسانية لمن قاموا بهذا العمل، حتى نفوت الفرصة على كل الساعين إلى تأجيج فتنة في الداخل الإسلامي من وراء ذلك”.
وتابع “يبقى أن نشير، وفي إطار تداعيات هذه القضية، إلى خطورة التوتر الذي يحصل بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، والذي وصل إلى حد قطع العلاقات بينهما على ضوء ما حدث للبعثات الدبلوماسية، مما لا نراه مبررا، وخصوصا بعدما أكدت الجمهورية الإسلامية معاقبة الفاعلين واحترام البعثات الدبلوماسية كافة. ونحن نخشى من تداعيات هذا التوتر على الداخل الإسلامي وعلى الكثير من ملفات المنطقة، ونأمل أن تتسارع الجهود من أجل تخفيف التوتر وإزالة الاحتقان.كما نأمل ونحن على أبواب اجتماعات عربية وخليجية وإسلامية، أن تساهم كل هذه الاجتماعات في تبريد الأجواء، لا في تصعيد الصراع، بعد أن بات واضحا مدى الأضرار التي قد يتسبب بها هذا الصراع، وعلى مختلف المستويات”.
اضاف: “نقول للجميع: لقد أثبتت التجارب أن الحوار هو وحده السبيل لعلاج المشاكل، لا التوتر والتشنج أو إقامة التحالفات التي تساهم في تعقيد الأمور بدلا من حلها. إننا نرى أن طريق الحلول سهل ومعبد إن صدقت النيات ونظر الجميع إلى مصلحة العالم العربي والإسلامي، الذي يراد إفقاره وإدخاله في صراعات لا تبقي له قوة، والجميع فيها خاسر”.
وختم فضل الله:”نصل إلى لبنان، الذي نخشى أن ينال نصيبا من تداعيات التوتر الحاصل، وأن ينعكس ذلك على أجواء الحوار الجاري، الذي بات يمثل صمام أمان من الفتنة، ويساهم، ولو بشكل محدود، في منع مضاعفات ما يجري في الخارج من التأثير في الداخل. ورغم الأجواء المتوترة التي حملها هذا الخطاب السياسي من هنا، وردود الفعل من هناك، فإننا نثق بأن إرادة الحكمة ستتغلب على كل الانفعالات والتوترات وبواعث الفتنة.. وأن الحوار سيستمر، ولا سيما أن البلد لا يتحمل أزمات إضافية بعدما تفاقمت فيه الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك في ظل استمرار الهاجس الأمني الذي يمثل مصدر قلق دائم للبنانيين من تداعيات الخارج أو من العدو الصهيوني. وفي هذا الإطار، تأتي العملية الأخيرة الذي قامت بها المقاومة الإسلامية لتؤكد مدى جهوزية المقاومة، وأنها لا تستكين حتى تثأر لشهدائها، لتشعر العدو بأن الزمن الذي يقتل فيه ولا يرد عليه، قد ولى”.