لعلّ أبشع ما تواجهه عائلات سورية دفعتها ويلات الفوضى الوحشية الدائرة في بلادها إلى اللجوء في الأردن، هو اضطرارها إلى «بيع» بناتها القاصرات لأثرياء تحت مسمى الزواج والسترة، وإبعادهن عن حياة المخيم (الزعتري 70 كلم شمال عمّان)، الذي تتعرّض فيه فتيات كثيرة للتحرّش والاغتصاب.
ويتولّى سماسرة الزواج المنتشرون داخل المخيم اختيار الفتيات الأجمل والأصغر لأثرياء معظمهم متزوّج أو متقدّم في السن. وسلاح هؤلاء السماسرة هو الدولار وحاجة الأسر اللاجئة المحتاجة له لتوفير سبل العيش، وفق اعتقادهم وإبعادهن عن أخطار اللجوء وتشعباته.
ويرفض القانون الأردني تزويج الفتاة إلا بعد تجاوزها سن الـ 18، إلا في حالات معيّنة يُترك تقديرها للقاضي الشرعي، كون هذه السن تعتبر معياراً للنضج، خصوصاً أن الفتاة قبل ذلك لا تكون جاهزة للزواج جسدياً أو عقلياً أو عاطفياً.
ولا يكلّف الراغب في الزواج من لاجئة سورية قاصر إلا ملء استمارة ودفع مبلغ نقدي لسماسرة قبل تحقيق مراده في غضون أيام.
تقول السورية الشقراء ريهان التي لم تبلغ الـ 16 سنة، أن والدها اضطر لـ «بيعها» وأختها التي لم تبلغ الـ 15 سنة، إلى ثريين عربيين في مقابل 7 آلاف دولار عن كل منهما، وما لبثا أن اختفيا بعد 20 يوماً فقط من عقد القران.
وتؤكّد ريهان أن الثريين، وهما شقيقان الأول في الـ 55 من عمره والثاني في الـ 51، استأجرا لهما شقتين مفروشتين في عمّان، غير انها وشقيقتها افتقدتاهما بعد أسبوعين.
وتضيف أن عقد القران تمّ بورقة خارج المحكمة الشرعية، تحت إلحاح السمسار الذي أخبرهما بأن الزوجين سيثبتان العقد عندما يغادران إلى بلدهما. وتجزم أن الحيلة انطلت على الوالد تحت ضغط الحاجة، وسعياً إلى أن تنتقل ابنتاه مع زوجيهما إلى موطنهما. وتذكر بسمة أن السمسار أخبر عائلتها بأن الزوجين سينجزان معاملة لمّ شمل أفرادها في بلدهما. لكن هذه الأسرة بقيت تعيش في مقطورة معدنية وسط صحراء لاهبة صيفاً وقارسة البرد شتاء.
وتؤكّد الدكتور أميرة محمد الضابط في مكافحة الاتجار بالبشر في «منظمة الهجرة الدولية»، أن مثل هذا الزواج «يكون قصير الأجل عادة ويمكن ألاّ يدوم أكثر من 24 ساعة»، معتبرة أنه «غطاء قانوني للاستغلال الجنسي». وقالت: «على رغم أن الزواج المبكر شائع في الأرياف السورية، إلا أنه من وجهة نظر إنسانية، انتهاك صارخ لحقوق الإنسان». ووفق القاضي الدكتور أشرف العمري في دائرة قاضي القضاة الأردنية، ينتهي أكثر من 50 في المئة من زواج اللاجئات السوريات القاصرات بالطلاق.
وعلّل العمري هذه النسبة المرتفعة من الطلاق، إلى أن كثراً من المتقدمين إلى الزواج أثرياء باحثون عن المتعة.
وأضاف أن هذا النوع من الزيجات لا يستمر أكثر من أشهر وأحياناً أياماً قليلة، مشيراً إلى أن مهور هؤلاء القاصرات غالباً ما تكون مرتفعة، قياساً إلى المهور المتعارف عليها، لأن موافقة ذويهن على تزويجهن أشبه ما تكون بصفقة، للخلاص من حالة الفقر التي يعيشونها، كاشفاً أن الدائرة تسجّل شهرياً أكثر من 6 آلاف حالة زواج مبكر بين اللاجئات السوريات. وأوضح العمري أن غالبية القاصرات، المعروضات للزواج، يكن عادة من المتسرّبات من المدرسة، نظراً إلى حاجة ذويهن لعملهن، أو لبعد المدارس عن مساكنهن، ما يتطلّب نفقات مواصلات لا يستطيعون توفيرها.
وقدّر العمري نسبة زواج القاصرات (15-18 سنة) بين اللاجئات السوريات في الأردن بنحو 35 في المئة في عام 2015، في مقابل نحو 18 في المئة عام 2013 و25 في المئة عام 2014. ولفت إلى أن حالة اليقين لدى اللاجئين بأن وجودهم في الأردن موقت وإمكان تصويب أوضاع هذة الزيجات لاحقاً في بلادهم بعد العودة، يدفعهم إلى عدم توثيق زيجاتهم.
وأوضح العمري أن دائرة قاضي القضاة تأخذ معايير عدة بالحسبان في مسألة زواج القاصرات، أبرزها: التحقق من الرضا التام للمخطوبة والولي، وعدم وجود فارق سن كبير بينها وبين الخاطب، وألا يكون الخاطب متزوجاً من أخرى، والتأكّد من ملاءته مالياً ووجود حاجة واضحة للزواج. وأكّد أنه في حال اكتشاف زيجات لاجئات دون عمر الـ 15 سنة، تثبّت الدائرة العقد إذا تجاوزت الفتاة حينها الـ 15 سنة، وإلا يفسخ العقد.