يرى العديد من الأوساط القيادية المراقبة لوتيرة انعكاسات التصعيد في الصراع الإيراني -السعودي على لبنان «أننا دخلنا مرحلة جديدة لها تداعياتها على الوضع الداخلي والعلاقات بين الفرقاء اللبنانيين».

ويعتقد مصدر سياسي بارز أن لبنان بات محكوماً بمجريات هذا التصاعد في الصراع أكثر مما كان قبل محطته الأخيرة المتعلقة بمضاعفات إعدام السلطات السعودية الشيخ نمر النمر بناء على قرار قضائي، والاعتداء على السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد والذي أعقبه قطع السعودية وعدد من الدول الخليجية العلاقات الديبلوماسية مع إيران ووقف الرحلات الجوية إليها وكذلك التعامل التجاري.

لكن المصدر يعتبر أن الموقف الإيراني إزاء الوضع اللبناني كان واضحاً قبل كل هذه الأحداث، حين أحبط «حزب الله» بالتعاون مع حليفه زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، مشروع التسوية التي طرحها زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري، وتقضي بانتخاب رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية. والأزمة الأخيرة دفعت الحزب إلى المجاهرة بالموقف الإيراني الفعلي المتخذ حيال الحريري والتسوية على الرئاسة.

وأكد المصدر أن الموقف العنيف الذي أخذه رئيس كتلة نواب الحزب محمد رعد ضد زعيم «المستقبل»، بقوله أنه «يجب ألا يكون له مكان في لبنان» وتأكيد نائب آخر من الحزب أنه «لن تحصل تسوية في لبنان» مع حلفاء السعودية، هو الموقف الحقيقي الذي كان عبر عنه بين الجدران الأربعة إبان المداولات التي جرت في الأسابيع الأربعة الماضية قبل انفجار أزمة العلاقة بين الدولتين، فجاءت التطورات الأخيرة لتكرس هذا الموقف وتدفع الحزب إلى الإفصاح عن توجهاته مع إيران، إزاء السعودية وحلفائها في لبنان.

 

استشعار سابق للهجوم

وتتابع المصادر: «السعودية قامت برد فعل على استـــــــشعارها الهجوم عليها قبل أن تتـــفاعل قضـــية إعدام النمر والاعتداء على سفارتها في طهران وقنصليتها في مشهد. ولا يمكن عزل إحباط مشروع التسوية على الرئاسة في لبنان عن هذا الهجوم، لأنه يأتي في سياق المشهد الإقليمي الأوسع المتعلق بعرقلة المساعي من أجل الحلول في اليمن وسورية ودور الرياض في هذه المساعي، لا سيما ترتيبها توحيد المعارضة للتفاوض على المرحلة الانتقالية فضلاً عن الخلاف حول مصير الرئيس بشار الأسد فيها».

ويقول المصدر نفسه إنه إذا كان الهجوم العنيف على الحريري من قبل النائب رعد وضد عودته إلى لبنان جاء رداً على رد الحريري على الحملة التصعيدية التي شنها الأمين العام لـ»حزب الله» ضد السعودية بعد التأزم الإقليمي، فإن الحزب كان عبر عن موقفه السلبي من زعيم «المستقبل» حين اتفق فرنجية معه في لقائهما في باريس مطلع الشهر الماضي، على رئاسة الحريري للحكومة في حال انتخب هو رئيساً للجمهورية. فأوساط الحزب كانت قالت في تعليقها على مشروع التسوية: «من قال لفرنجية أننا نقبل بالحريري رئيساً للحكومة؟ وكذلك فعل زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، هذا على رغم أن فرنجية كان نقل للحريري (خلال لقائهما في باريس) عدم ممانعة الحزب عودته إلى رئاسة الحكومة في إطار التسوية على الرئاسة لزعيم تيار «المردة».

ويشترك المصدر نفسه مع أوساط سياسية متعددة في تشبيه رفض «حزب الله» عودة الحريري ورئاسته الحكومة العتيدة، بقرار إزاحته عن رئاسة الحكومة مطلع عام 2011 الذي جاء نتيجة تأزم إقليمي، عنوانه فرط مفاوضات «السين-سين» بين الرياض ودمشق، بقرار من طهران في حينها، بعد قرار خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز آنذاك الانفتاح على سورية وطي صفحة الخلافات. وأعقب ذلك غياب الحريري عن البلد منذ ذلك التاريخ إلى الآن، خصوصاً أن ما حصل أدى إلى العودة عن اتفاق الدوحة الذي عقد في 2008 ونص على عدم الاستقالة من الحكومة وفرطها، مقابل حصول تحالف قوى 8 آذار على الثلث المعطل فيها. وتقضي المقارنة بين الحالتين الإشارة إلى أن التصعيد الإيراني ضد السعودية أطاح حتى إشعار آخر الحوار «الخجول « الذي كان بدأ بين الدولتين عند لقاء وزيري خارجية البلدين السريع في فيينا قبل زهاء شهرين، والذي تردد أنه شمل تحييد لبنان عن الخلاف بينهما.

وتدعو الأوساط التي ترصد المرحلة الجديدة في لبنان ربطاً بالمستوى الجديد من التأزم الإيراني السعودي، بما فيها أوساط قيادية في تيار «المستقبل»، إلى قراءة المشهد الإقليمي من زاوية عدم وجود مناخ لتسوية إقليمية على الرئاسة في لبنان من جهة، وعلى أن الجهود من أجل تسوية داخلية بين اللبنانيين كانت مبادرة الحريري مع فرنجية إحدى تجلياتها، أصيبت بانتكاسة نتيجة عودة «حزب الله» إلى ربط الحلول الداخلية بما يجري في المنطقة، من جهة أخرى. والدليل عودة الحزب عن التزامات قطعها لفرنجية بدعم ما يتوصل إليه مع زعيم «المستقبل»، نتيجة ارتباط الحزب بموجبات تصعيد طهران ضد الرياض، بما فيها في لبنان، منذ ما قبل موجة التأزم الأخيرة بينهما.

وترد أوساط «المستقبل» التصعيد الإيراني إلى عوامل عدة منها أن إيران مقبلة على انتخابات الشهر المقبل، يتجه فيها المتشددون إلى التصعيد ويجرون منافسيهم إليه، لكسب أصوات الناخبين. وتعتقد أنه في حال اتجاه الأمور إلى التفاوض على الوضع الإقليمي فإن القيادة الإيرانية تريد من التصعيد إضعاف خصومها عبر الهجوم الذي تشنه عليهم. وفي حال إصرار إيران على مواصلة المواجهة فإنها ترمي إلى افتعال المشاكل للسعودية وغيرها في داخلها كما أظهرت الأزمة الأخيرة. وتضيف هذه الأوساط: «إلا أن الجديد في ما يحصل ومهما كانت الاحتمالات، أن لدى الرياض قراراً بالرد على أي استفزاز واعتداء اعتادت طهران أن تقوم به وتبني عليه لإضعاف خصومها. وهناك سياسة سعودية بعدم السكوت على أي عمل ينتقص من سيادتها ودورها، فكيف حين يكون الأمر متعلقاً بحرق سفارتها؟

 

تمايز بري واصراره على الحوار

إلا أن أوساط «المستقبل» وقوى أخرى تسجل أن كلاً من نصرالله والحريري في مواقفهما حيال الأزمة الأخيرة «تحدثا عن ضرورة تجنب أي تأزم مذهبي في لبنان، على رغم أن نصر الله بمواقفه فتح الباب على المزيد من الحساسية المذهبية في المنطقة ككل، وفق أمر العمليات الإيراني الذي يتحرك بهديه».

وإذا كان التصعيد الأخير من الحزب كرس تجميد التسوية على فرنجية فإن الأوساط نفسها ترى أن هجوم النائب رعد على الحريري «تجاوز إحباط التسوية على الرئاسة لأنه انخرط بتحريك الحساسيات المذهبية في لبنان، عبر هجومه على الحريري، واستهدافه الموقع السني الأبرز وحديثه عن مصادرة صلاحيات الرئاسة الأولى».

وهذا ما طرح السؤال على ما إذا كانت المرحلة الجديدة ستؤثر على مسألتين ملحتين:

- الحوار الثنائي بين «المستقبل» والحزب الذي يفترض أن ينعقد الاثنين المقبل، وسط رأيين سادا «المستقبل» خلال اجتماع كتلته النيابية. الأول يرى أن الحزب «تجاوز الخط الأحمر ولا يجوز العودة إلى الحوار كأن شيئاً لم يكن». والثاني يعتبر أنه يجب عدم إعطاء الفرصة للفريق الآخر بأن يحبط الحوار بفعل تصعيده حرصاً من «المستقبل» على مواصلة تنفيس الاحتقان، حتى لو لم ينتج من الحوار وقائع جديدة، فضلاً عن أنه لا يجوز أن يكون التيار البادئ في وقف الحوار. وترك الأمر للتشاور مع الحريري مع ترجيح حصوله، فيما رئيس البرلمان نبيه بري راعي الحوار الثنائي يصر على انعقاده من موقع حرصه على خفض التوترات المذهبية. وتشير هذه الأوساط إلى أن بري ميّز نفسه عن رد فعل «حزب الله» في بيانه تعليقاً على إعدام النمر، ولم يذهب إلى التصعيد الذي ظهر لدى نصرالله ما يعطيه صفة القدرة على متابعة دوره.

- تفعيل عمل الحكومة في ظل الفراغ الرئاسي كحاجة ملحة. وترى أوساط «المستقبل» أنه بات أكثر تعقيداً بعد التصعيد الأخير، وأن الحزب على رغم تأييده وقف شلل المؤسسات، فإن تصعيده قد يترك المجال لعون ليضع الشروط عليه ومنها إصراره على اتخاذ القرارات بالإجماع.