مئة يوم على الحملة العسكرية الروسية في سورية، والنتائج كما يلخصها بعضهم: تنظيم «داعش» إلى انحسار، لكن الحرب «باقية... وتتمدد»!
تكاد المناسبة أن تمر بصمت، ومن دون إجراء مراجعة كاملة للإنجازات والإخفاقات، على رغم أن كثيرين من الروس كانوا يعوّلون على «تحقيق النصر» في غضون ثلاثة أشهر. يكفي استرجاع اللهجة الواثقة لرئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الدوما أليكسي بوشكوف، المقرب من الكرملين عندما قال منتصف تشرين الأول (أكتوبر) الماضي: «الضربات ستتكثّف، ونتحدث عن عملية تستغرق 3 - 4 أشهر».
و «السقف الزمني» الذي حدده بوشكوف وأغضب الكرملين بسبب تسرُّعه في كشف ما يدور داخل مطبخ صنع القرار الروسي، لم يكن خطاً أحمر بالمعنى العسكري للكلمة، فالرجل استبق عبارته بتحذير من أن «ثمة خطراً دائماً للسقوط في مستنقع يصعب الخروج منه، لكن عمليتنا محدودة الزمن».
تفسِّر هذه العبارة حرص الكرملين في كل مناسبة على تأكيد بقاء العملية في إطار زمني محدد. لكن ذلك استمر حتى وقت قصير سبق نهاية العام الماضي، حين تأكّد الرئيس فلاديمير بوتين من أن فترة مئة يوم لن تكون كافية لإحراز نصر يغيظ أعداء روسيا الذين يراقبون تصرفاتها بدقة، وربما يرجون لها أن تخرج ذليلة. عندها قال الرئيس الروسي عبارته التي حددت إطاراً زمنياً مختلفاً: وزارة الدفاع تنفق من موازنة التدريبات، على حملتها العسكرية، ولن نجد أفضل من هذه الظروف لتدريب قواتنا. باختصار، ترك بوتين المساحة مفتوحة أمام العسكر الروس، مهما احتاجوا من فترات لاختبار قدراتهم وتجريب أسلحتهم الحديثة.
لم تعد «المهلة» مقدسة إذاً، لكن السؤال الذي يطرحه الروس هو: ماذا حققنا في مئة يوم؟
الناطق العسكري الروسي يحرص على تقديم تقريره إلى وسائل الإعلام وكأنه يؤدي التحية أمام قائده، فتغدو «الانتصارات» في حديثه مرتبطة بعدد الغارات الذي تجاوز 5500 منذ بدء الحملة العسكرية الروسية، وتضيع الأخطاء في لفظ أسماء المدن السورية عندما ينطقها، بين تفاصيل كثيرة بينها أن في سورية كما تبيّن للحملة «آلاف المراكز لتدريب المقاتلين الأجانب وعشرات الآلاف من مصانع القنابل ومئات من غرف القيادة الميدانية» لتنظيم «داعش»، وكلها دُمِّرت بـ «دقة كاملة».
بعيداً من هذا الخطاب، توجز موسكو نتائج الحملة حتى الآن، بانحسار نفوذ «داعش» بدليل تقدُّم القوات الحكومية السورية في عشرات المناطق. وتضع صحيفة «النجمة الحمراء» الناطقة باسم الجيش الروسي على رأس صفحتها الأولى، عبارة تختصر الحدث: «ثلاثة أشهر بمثابة كابوس لداعش».
وبين الأدلّة على «الكابوس» تفاخر الصحيفة بأن «قوات التحالف الدولي في أفغانستان خسرت 21 جندياً خلال تشرين الثاني (نوفمبر)، بينما خسائر روسيا لم تزد على طيار وجندي من قوات المشاة «قتلا بسبب الخيانة التركية وليس بسبب جسارة العدو».
لا تهتم الصحافة الروسية كثيراً بدرس خريطة «انحسار داعش»، بل تولي الاهتمام الأكبر لـ «تقدُّم القوات الحكومية (السورية) بفضل ضرباتنا».
وقد يكون الإنجاز الأهم في رأي مطبخ صنع القرار، هو الذي رسم ملامحه المعلّق السياسي لوكالة «نوفوستي» الحكومية قبل أيام قائلاً: انتصار القوات الحكومية السورية بفضل تدخلنا سيدمّر نهائياً خطط واشنطن وحلفائها في المنطقة، ويمكن إدارة (الرئيس الأميركي باراك) أوباما أن تُطلِق علينا ما شاءت صفة «قوة إقليمية»، لكن دخولنا إلى سورية أجبر العالم على الاعتراف بأننا قوة عظمى، ومحرّك أساسي لصنع السياسة الدولية».
وأمس، أكد «الائتلاف الوطني السوري» المعارض في بيان، أن الغارات الروسية قتلت خلال مئة يوم «١٧٣٠ شخصاً، بينهم ١٣٥ طفلاً و١١٥ سيدة، ودمّرت ٢٩ مشفى ومركزاً طبياً، وعشرات المدارس ودور العبادة ومؤسسات البنى التحتية». وأشار إلى إن الطيران الروسي «شن ١٢ ألف غارة استخدم فيها القنابل العنقودية والفوسفورية والصواريخ الفراغية، واستهدفت ٩٤ في المئة من الهجمات مواقع مدنية وأخرى تابعة للجيش السوري الحرّ، بالتزامن مع حملات أدت إلى تهجير حوالى نصف مليون سوري من ديارهم في أرياف اللاذقية وحمص وحماة وحلب».
ومع تحذير خبراء بارزين من أن روسيا غدت أقرب إلى الانزلاق نحو «المستنقع»، جاء اعتراف بوتين أخيراً بوجود «وحدات تنفّذ مهمات خاصة» في سورية ليزيد الاقتناع بأن «الأيام المئة المقبلة ستكون أسوأ» كما كتب معلّق، معتبراً أن شعار «داعش» غدا أوسع، فالمأساة السورية بعد مئة يوم تبدو «باقية وتتمدّد».