هو لبنان، بلد شريعة الغاب لا أمن ولا أمان، هو لبنان الذي يستقوي فيه الغني على الفقير المحتاج فيستغل فقره وحاجته للعمل مقابل أجور متدنية لا تكفي قوت شهر كامل، لكن ما حصل مع "مريم" بعيد كل البعد عن الاجور المتدنية فاستغلال إنسانيتها جاء كردة فعل على بساطتها وهدوئها ورقة قلبها. مريم من الجنوب والتي تعمل في محل تجاري لبيع الالبسة بالجملة في سوق عفيف الطيبي منذ 15 سنة حتى الآن لم تستطع ان تحصّل حقوقها، حتّى أنها لم تشعر بلذة دخلها الشهري كاملا ولو لشهر واحد.
فالاعوام تمر امامها وهي لا زالت تتلق الوعد تلو الآخر تقول مريم "طالبته ووعدني بأنه سيدفع لي المال وذهبت إلى زوجته أيضا لأشكي لها همي وما اعانيه من هضم لحقوقي إلا انها أجابتني :الأعمال خفيفة وعليكي بالصبر" والإبهام في الموضوع يظهر من خلال عدم ترك مريم للعمل رغم أنها لا تستحصل على كامل حقوقها المادية. ولعل الحاجة دفعت بها إلى قبول الواقع المرّ الذي يبقى أفضل من فكرة البقاء بدون عمل ومد يدها إلى أشخاص آخرين سيشعرون قريبا بالعبء منها، فارتأت ان تقبع تحت رحمة الحاج (X) وتبقى رهينة استغلاله المادي.
والإستغلال المادي الذي تتعرض له مريم لا يتجلى بقبولها براتب قليل إتفقت عليه مع صاحب المحل منذ البداية مقابل ساعات عمل طويلة إنما يتجلى في إعطائها شهريا 300 ألف ليرة لبنانية كحد أقصى من دخلها الشهري الذي يساوي 700 ألف ليرة مقابل 8 ساعات عمل يوميا.
وخضوع مريم للأمر الواقع يعود إلى الوعود الدائمة بأنه سيسدّد لها المبالغ المستحقة عليه وتساوي تقريبا حوالي الـ15 الف دولار. واما كيف تستطيع ان تصمد في ظل الغلاء المعيشي ودخلها الشهري الهابط جدا تقول مريم "بس بدي روح عند دكتور الحاج بيبعتني عند حدا بيعرفو وبيعملي سعر" وأما بالنسبة للأدوية فهو من يشتريها لها وبحكم معرفتي بها فإنها مرضت عدة مرات وبقيت تعاني الامرين لانها وبكل بساطة لا تملك المال للذهاب إلى الطبيب كما أن هناك هالة من الغموض تحيط بحياتها إذ أنها إمرأة توفي زوجها بعد ستة أشهر على زواجها وهي تعيش في منزلها لوحدها" والملفت في الأمر أنها دائما ما تقول بأنها ستترك العمل ثم تجدها في اليوم الثاني تنتظر سيارة الأجرة للذهاب إلى يوم شاق تعلم مسبقا انها لن تنال أجر تعبها عليه.
والمدهش في الأمر أنها حتى اليوم ما زالت تعمل لديه وتلتزم بدوامها،علما أن لديها أوراقا قوية تثبت حقها فيهم ولكن في بلد يستقوي فيه القوي على الضعيف وفي بلد لا يوجد فيه أي رقابة على حقوق الموظفين يبقى السؤال: من سيحصّل حقوق الفقراء إن كان الساسة أيضا "حرامية" كالاغنياء؟