أحوال ليست كالأحوال. بين الميسورين وذوي الدخل المحدود فوارق في الحصول على الدفء في برد الشتاء.
فقراء النبطية ومحتاجوها، باتوا يتمنون الصحو فهو أهون عليهم من صقيع العواصف. المازوت والغاز بالدرجة الأولى، ثم الحطب مواد يعتمد عليها أغنياء النبطية والميسورون منهم ومتوسطو الدخل، أما الفقراء فلا طاقة لديهم على شراء هذه المواد، وإن كان ثمن المحروقات قد وصل إلى مستوى متدن إلا أن العوز أكبر. وعليه لم يجد هؤلاء أمامهم سوى التضرع إلى الله داعين إلى تحسن الأحوال الجوية.
برغم الانخفاض في أسعار مادة المازوت إلا أن الفقراء ظلوا على حالهم من تأجيل تخزين المادة، في انتظار الحلول الفعلية لموسم البرد والصقيع أو أملا بانخفاض أسعارها أكثر. وفي ظل الترقب لجأ بعض هؤلاء، ومن بينهم بعض النازحين السوريين إلى التدثر بالحرامات والبطانيات، أو جمع خشب البناء المستعمل أو احتطاب وتشحيل الأشجار الحرجية والمثمرة وفي طليعتها أشجار الزيتون.
تجلس نجيبة أيوب في غرفتها حيث تعيش وحيدة. كلما فكرت بالنوم يقرصها البرد.
تداوي شعورها بالبرد بأغطية وبطانيات صوفية. لم تفكر يوماً باستعمال أي وسيلة للتدفئة. هي لا تعمل ولا تنتج، ولا مال لديها إلا ما تتحصل عليه من أشقائها، ولما كانوا من محدودي الدخل لم ترغب بتحميلهم أكثر من طاقتهم. نجيبة على هذه الحال منذ زمن، لذلك تعوّدت على المعاناة من دون أن تملك القدرة على تغيير واقعها.
لم يفكّر محمد زيتون يوماً بالاعتماد على المازوت والغاز في التدفئة. برغم انخفاض سعرهما نسبياً إلا أنه لا قدرة لديه على تحمّل النفقات. يقول: "الأولاد أحق بالمال من أن يحرق"، مشيراً إلى أنه لجأ إلى تشحيل كرمه من الزيتون وتخزين الحطب والأغصان واستعمالها للتدفئة، وبذلك وفر الكثير من الأموال التي كان سيدفعها، فيما عائلته بأمس الحاجة لها خلال فصل الشتاء، لصرفها على المواد والحاجيات الاستهلاكية والتموينية الأخرى.
ولأن "الحال من بعضو"، لا تختلف أوضاع النازحين في المنطقة عن حال فقرائها. فهؤلاء عمدوا إلى حل مشكلتهم باللجوء إلى أخشاب البناء، كما فعل النازح وسام السلخدي.
وبهذا استطاع خالد أن يوفر الكثير من المال لعائلته المحتاجة. خصوصاً أن أوضاعه الاقتصادية صعبة وبالكاد يستطيع تأمين قوت أولاده ليسد رمق جوعهم. فخالد يعمل كأجير يومي وهو قد يقضي أياماً قبل الحصول على عمل يدر عليه قليلاً من مال هو يحتاجه بشدة. فراس قباني نازح آخر. ليس للرجل باب على جمع أخشاب البناء. طريقته لسد باب الريح كانت باعتماد وسائل نجيبة أيوب.
أغطية وبطانيات. فراس يعتمد على المساعدات العينية والمادية للأمم المتحدة، وبالتالي هو لا يملك المال لشراء الأغطية والبطانيات فكان اعتماده على أهل الخير والجيران لتدفئة عائلته.
بعض المواطنين ممن لا طاقة لهم على شراء وسائل التدفئة من الغاز والمازوت والحطب التجاري يقصدون ما تبقى من الأحراج القليلة على ضفاف نهري الليطاني وزريقون، لجمع ما تيسر لهم من الحطب اليابس لتدفئة عائلاتهم، ومنهم علي أيوب الذي يقول: "أنا أعمل في الليل والنهار، وبالكاد أستطيع إعالة عائلتي وأولادي، فكيف سيكون بوسعي شراء المحروقات والحطب للتدفئة؟ لذلك أنا مضطر لإحضار الحطب اليابس من الأحراج، وإذا لم أفعل ذلك، ستبقى عائلتي من دون تدفئة".
لبنان 24