مع انطلاق العام 2016: "باتت المرأة في لبنان حائزة على جميع حقوقها"، "أعتقد أنّ الرجل هو مَن بات بحاجة للمطالبة بحقوقه من المرأة"، "المساواة بين الجنسين موجودة وكيف لا؟!". نعم، إنّها عبارات يطلقها بثقة العديد من الرجال في المجتمع اللبناني، ولكنّ مضمونها فعلياً مازال حلماً بعيد المنال بالنسبة للمرأة.يعتقد الرجل في لبنان أنّ منح الفتاة حقّ التعليم أسوةً بأخيها وخروجها لخوض ميدان العمل، وامكانية استحصالها على رخصة قيادة، وقدرتها على السفر دون اضطرارها إلى أخذ موافقة "ولي أمرها" رسمياً يثبت أنّ المساواة بين الجنسين موجودة.
ولكن نظرة على أوضاع المرأة مع انطواء العام 2015 تكشف واقعاً مغايراً تماماً.
في السياسة كان لبنان أوّل بلد عربي يعطي المرأة الحقّ بالترشّح والتصويت عام 1953. وعلماً أنها مارست حقّها بالتصويت إلّا أنّ حقّها بالترشّح والوصول إلى الندوة البرلمانية ما زال بالإجمال حبراً على ورق، فيما وصولها إلى سدّة الرئاسة من أحلام الخيال.
ويبدو أنّ عوائق كثيرة تقف في وجه المرأة الراغبة في خوض الميدان السياسي، على رغم إنصافها قانونياً في هذا المجال وأبرزها التوريث السياسي وعدم دعم الأحزاب لها، ما أدّى إلى سيطرة الرجل على هذا المعترك. فعدد كبير من المقاعد البرلمانية في لبنان تهيمن عليه الوراثة السياسية، وبالتالي، لا يورث السياسيون قاعدتهم الشعبية لبناتهم أو زوجاتهم في وجود وريث ذكر. فنساء قليلات وصلن إلى البرلمان عن طريق وراثة مقعد، ومنهنّ نايلة تويني التي ليس لها شقيق.
كما هناك أخريات ورثن القاعدة الشعبية لزوج، مثل صولانج الجميل أو نايلة معوّض وغيرهما، فدخلن البرلمان وما لبسن أن تنازلن عن مقاعدهنّ لاحقاً لصالح أبنائهنّ الذكور لدى بلوغهم السنّ المطلوب للترشّح. ولم يقف التوريث السياسي وحده عائقاً في وجه دخول المرأة المعترك السياسي، بل الأحزاب التي توصل النواب في الأنظمة الديمقراطية قلّما رشّحت امرأة في لبنان على لوائحها ودعمتها للوصول، فاقتصر إيصال الأحزاب امرأة إلى البرلمان على نائبين هما غنوة جلّول على لوائح تيار المستقبل في انتخابات العام 2000 وجيلبيرت زوين على لوائح تكتّل "التغيير والإصلاح" في انتخابات العام 2005. ويضمّ البرلمان اللبناني حالياً 4 نساء فقط من أصل 128 نائباً وصلن في انتخابات العام 2009 فيما أوصلت انتخابات العام 2005 ست نائبات في سابقة اعتُبرت الأولى في لبنان.
أمّا في مجلس الوزراء، الذي يتمّ تعيين أعضائه، لا تحمل امرأة حالياً حقيبة وزارية سوى القاضية أليس شبطيني. وهكذا درجت العادة، أو يتمّ إقصاء المرأة عن الحكومة أو يتمّ تعيين وزيرة أو وزيرتين كحدّ أقصى، وطبعاً لا تحملن الحقائب السيادية. وعلى رغم واقع المرأة المزري في السياسة لن يكون من السهل إدراج الكوتا النسائية في القانون الإنتخابي الجديد، لأنّ عدداً من الأحزاب لا يدعم هذا الطرح الذي تسعى إلى تحقيقه الجمعيات النسائية والهيئة الوطنية لشؤون المرأة وغيرها من فعاليات المجتمع المدني.
في القانون يحفظ الدستور حقّ المرأة اللبنانية ويكرّسه، فينصّ في المادة 7 منه على «أنّ كلّ اللبنانيين سواء لدى القانون، يتمتّعون بالحقوق المدنية والسياسية ويتحمّلون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم». كما يضمن الدستور الحرّيات العامة والشخصية وحرّية المعتقد وحرّية التعليم وإبداء الرأي في المواد 2 و9 و10 و12 منه. ولكن على رغم ذلك تبقى النصوص القانونية مجحفة في حقّ المرأة وأحياناً غائبة. الإغتصاب الزوجي "حق"؟ إنتزعت الجمعيات النسائية وفعاليات المجتمع المدني إقرار قانون حماية المرأة من العنف الأسري في العام 2014.
ولكنّ الدولة لم تعترف بالاغتصاب الزوجي على أنه جرم، لوجود مفهوم ديني خلفه ما صنّفه في إطار "الحقوق الزوجية". علماً أنّ الإكراه على الجماع يُعتبر اغتصاباً بالنسبة للمتزوّجين أو غيرهم. قوانين غائبة وفي حين ينتشر التحرّش بالمرأة في أماكن العمل بشكل كبير في لبنان، لا يزال تجريم هذا التعدّي الصارخ غائباً عن القوانين اللبنانية. ونعيد نشر إحصاءات أجرتها جمعية "قلْ لا للعنف" عام 2013 تُظهر التحرّش بالأرقام:
• في منطقة بيروت الإدارية: 39 في المئة من النساء العاملات يتعرّضن للتحرّش الجنسي وحوالى 7.5 في المئة منهنّ رضخن لرغبات المتحرّش بعدما سكتن على تعدّياته المتمادية، فتمكنّ من إقامة علاقة جنسية معهنّ.
• في منطقة جبل لبنان: تتدنّى نسبة التحرّش إلى 33 في المئة حيث تمّ استفتاء 200 سيدة وآنسة، ليتبيّن أنّ 66 مِنهنّ تعرّصن لتحرّش جنسي في العمل. • في محافظة الجنوب بلغت نسبة التحرّش بالموظفات 29 في المئة. زواج القاصرات هذا الزواج موجود في لبنان، وتسمح به الطوائف كافة في إطار قوانينها للأحوال الشخصية. ويتمّ تزويج العديد من اللبنانيات قبل بلوغهنّ سنّ الرشد ولكن خصوصاً السوريات المتواجدات في المخيّمات.
في لبنان لا قانون مدنيّاً للأحوال الشخصية على أنواعها، ومنها تفاصيل الزواج والطلاق والحضانة والوصاية على الأولاد... وتحكم الأحوال الشخصية قوانين وضعتها الطوائف. ومن هنا أهمية وضع قانون مدني وفقاً للمعايير الدَولية يحدّد السنّ الأدنى للزواج بعمر 18 عاماً.
في العمل يشير تقرير للمنتدى الإقتصادي العالمي صدر حديثاً إلى أنّ الفجوة بين أجور المرأة والرجل تحتاج نحو 118 عاماً قبل أن تردم. وهذا الواقع لا يعاني منه لبنان وحده بل يسيطر على جميع دول العالم وحتّى المتقدّمة منها.
وقد شهد عام 2015 إقرار ولاية كاليفورنيا الأميركية قانوناً حول المساواة في الأجور بين الرجال والنساء، وذلك بعدما استغلت الممثلة الأميركية باتريشا آركيت فرصة تسلّمها جائزة أوسكار لتطالب أمام مئات الملايين من مشاهدي الحفل عبر العالم، بمساواة في الأجور بين المرأة والرجل في أميركا وسط هتافات نجمات هوليوود الحاضرات وبينهنّ ميريل ستريب وجينيفر لوبيز، إذ إنّ هؤلاء النساء وعلى رغم نفوذهنّ وشهرتهنّ الواسعين، يعانين بدورهنّ من هذا التمييز الواضح ضدّ المرأة وحقوقها.
أمّا في لبنان فالتمييز ضدّ المرأة على صعيد الأجور ينتشر من دون حسيب أو رقيب ويُعتبر مسألة عادية. وتكثر الأمثلة في هذا الإطار ومنها: كنتُ أعمل في إحدى التلفزيونات الفضائية في بيروت. وبعد سنتين على عملي في مجال العلاقات العامة وظّفت الإدارة شاباً جديداً في القسم، فكنتُ أساعده وأدرّبه لكي يتمكّن من استلام عمله الجديد. وإذ بي أتفاجأ في آخر الشهر بأنه تقاضى راتباً أعلى من الراتب الذي كنت أتقاضاه بعد عامين في خدمة المؤسسة، علماً أنّ الإدارة كانت تدرك جيداً أنّ هذا الشاب لايزال في طور التدريب.
وعندما سألت عن السبب قالوا: "الشاب يتقاضى راتباً أعلى من الفتاة، فلا يمكننا أن ندفع لشاب ما ندفعه لفتاة!" أهمية سَنّ القوانين وفي مطلع العام 2016 تحتاج المرأة في لبنان إلى تشريع البرلمان قوانين تنصفها، تلجأ إليه كلما تعرّضت للأذى أو التمييز. ونقول "للرجال" لا تخافوا من أن تطغى عليكم المرأة في ميادين الحياة فالأرقام والوقائع تشير إلى أنّ تحقيق المساواة مازال بعيداً وحصولها على أبسط حقوقها يمرّ بدربٍ طويل من النضال. lebanon 24