أخطر الحروب وأكثرها كلفة، هي الحروب على السلطة والخلافة، وأشد تشكّلاتها خطراً هي تلك التي تمتزج فيها العوامل الداخلية مع التردّدات الخارجية. في إيران تتصاعد يومياً «الحرب»، على خلافة المرشد آية الله علي خامنئي، رغم أنّ حضوره في الحركة السياسية اليومية الإيرانية ما زال مستمراً وقوياً وفاعلاً ومؤثراً، فلماذا تحوّل كلام آية الله هاشمي رفسنجاني (في 15/12/15) حول «تشكيل لجنة تدرس كل الاحتمالات بما فيها وضع لائحة بأسماء مرشحين لمنصب المرشد»، إلى «كرة نار» أحرقت في طريقها كل «الخطوط الحمر»، وجعلت مسألة خلافة المرشد خامنئي حدثاً يومياً وتتجسّد فيها المحاور والمواقف؟
إحراق السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران، من قِبَل متظاهرين إيرانيين قيل إنّهم أقدموا على ذلك، تعبيراً عن غضبهم لإعدام الشيخ نمر النمر، أكد عمق «الشرخ» داخل السلطة الإيرانية.
في الوقت الذي قال المرشد «إنّ السعودية ستواجه النقمة الإلهية» فإنّ الرئيس حسن روحاني قال: «إنّ إحراق السفارة والقنصلية غير مبرّرين على الإطلاق لأنّه من المفترض أن تكونا بموجب القانون والدين تحت حماية الجمهورية». ولا شك أنّ روحاني لم يقل ما قاله حول «الدين» وحماية السفارة عفوياً وإنّما قصد من ذلك توجيه «رسالة» غير مسبوقة إلى المرشد حول عدم «شرعية« الاعتداء على مقر ديبلوماسي يبقى رغم خصوصيته في عهدة أمن الدولة الموجود فيها.
ما تبلور من انقسام خفي حول الهجوم على السفارة السعودية، مهم جداً لأنّه يدور على الطريقة الإيرانية المرمّزة في الخطاب والتخاطُب بين مواقع القمّة في السلطة أي المرشد والرئيس. لكن اللافت أنّه في كل يوم يقترب فيه الاستحقاق الانتخابي، تتصاعد الاتهامات القاسية التي تصل أحياناً إلى رمي التهديدات المباشِرة على المعتدلين والوسطيين من المتشدّدين الممسكين بمواقع السلطة والذين يشعرون أنّ «سجادة السلطة» تُسحب من تحت أرجلهم، رغم كل مقاومتهم وأساليبهم التي لا علاقة لها بالديموقراطية التي يتحدّثون عنها.
خلف كل هذا الانقسام، تصاعد الخطاب السياسي من كل القوى السياسية حول «ماذا بعد خامنئي؟». بداية لم يلقِ رفسنجاني «كرة النار» حول خلافة خامنئي، لو لم يكن يعلم أنّ صحته ليست بخير، وأنّه إذا لم يكن على حافة الغياب فإنّه على الأرجح لم يعد قادراً على إدارة الدولة كما يجب وكما تتطلّب المرحلة الحسّاسة والدقيقة التي تمر بها إيران. لذلك حان الوقت للبحث في الخلافة سواء في حالة الوفاة أو عدم القدرة على العمل، أمّا طرح رفسنجاني إنشاء «مجلس قيادة» فهو لمواجهة خطر الانقسام الخطر بين المتشدّدين والمعتدلين حول شخص المرشد مما يهدّد إيران.
ما يعزّز قلق رفسنجاني العلني أنّ آية الله محمد علي موحدي كرماني إمام طهران ونائب رئيس مجلس الخبراء والأمين العام لجمعية «رجال الدين المناضلين» المتشدّدة قال: «يجب التفكير في ما بعد مرحلة خامنئي، وأنّه يجب أن يوحّد الأصوليون صفوفهم خصوصاً أنّ البلاد تمر بظروف حسّاسة». ما سبق هذا من تحذير «شيخ» المتشدّدين محمد مصباح يزدي «من إجراء استفتاء لعزل خامنئي»، يؤشّر إلى امكانية عجز المرشد عن العمل مما ينتج عزله كما ينص الدستور.
خوف المتشدّدين واضح جداً أولاً من غياب خامنئي، وثانياً من الائتلاف الواسع الذي شكّله المعتدلون والقائم على «ترويكا» مؤلفة من: رفسنجاني وروحاني وحسن الخميني. ترجمة هذا الخوف تتمّ بالهجوم الشخصي الواسع على رفسنجاني. وقد وصل الأمر إلى إقحام الجيش الإيراني بذلك حتى يُقال إنّ «الحرس الثوري» و»الجيش» وحدة واحدة ضدّ التغيير. وإذا كانت رتبة الجنرال حسن فيروز آبادي رئيس أركان القوّات المسلحة مغرية لمثل هذا الاستنتاج، فإنّ الإيرانيين يعرفون أنّ هذا «الجنرال» هو «رجل» خامنئي وليس له وزن داخل المؤسّسة العسكرية أكثر من علاقته بالمرشد كما الجنرال نقدي قائد «الباسيج». آبادي قال إنّه «لم يكن لدينا مجلس قيادة في التاريخ يقود الجيش»، وهو بذلك يستنهض الشعور القومي لأنّه يؤشّر إلى إيران الشاهنشاهية وليس فقط الإسلامية، الأهم أيضاً أنّه وجد في «اقتراح القيادة الجديدة محاولة لتقويض قيادتنا التقدمية والمستقرة». وقد ذهب الجنرال علي فضلي نائب الجنرال نقدي إلى اتهام رفسنجاني ضمناً بأنّه «على علاقة بفتنة 2009 (أي الانتفاضة الخضراء)، والذين فشلوا وهم اليوم يريدون جعل القيادة جماعية«.
إيران في مواجهة موعد حاسم هو انتخابات مجلس الشورى ومجلس الخبراء، تنجح فيه فتتغير وتتقدم تحت «مظلة» الشرعية الدولية، أو تفشل وتخسر داخلياً وخارجياً. من الأفضل أن يشرف المرشد خامنئي على الانتخابات رغم القلق من استقواء المتشدّدين به. لكن من المعروف أنّ خامنئي يأخذ كثيراً بتوازنات مراكز القوى، ولن يغامر بعد 25 سنة من السلطة المطلقة بمصير إيران، أمّا إذا غاب (علماً أن الأعمار بيد الله) فإنّ إيران ستقف أمام مجهول مواقف المتشدّدين و»الحرس الثوري» دون «رقيب»، ولا يعرف أحد كيف ومَن ستختار هذه «القبضة الحديدية» لخلافة خامنئي، وهل يصبح تهديد رفسنجاني بمصير آية الله العظمى حسين علي منتظري بالاقامة الجبرية حتى وفاته أسلوباً لإدارة الخلافات كما يريدون؟
إحراق السفارة السعودية يؤشّر إلى أي مكان يمكن أن يذهب إليه المتشدّدون للاحتفاظ بالسلطة على حساب علاقات بلادهم بمحيطها الخارجي، الذي كان الإمام الخميني يريد، عندما عاد من المنفى وقاد الثورة، التحالف مع هذا المحيط العربي الإسلامي لتحرير فلسطين، فأصبح المشروع الخامنئي كله التدخّل السلبي المُنتج لإحراق أربع دول عربية، بحيث أصبحت إسرائيل أقوى من أي وقت مضى.
ماذا بعد خامنئي؟
ماذا بعد خامنئي؟اسعد حيدر
NewLebanon
التعريفات:
مصدر:
المستقبل
|
عدد القراء:
1075
عناوين أخرى للكاتب
مقالات ذات صلة
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro