رفعت المملكة السعودية مستوى المواجهة مع ايران عبر سلسلة من المسارات، أولها استكمال الطلاق الديبلوماسي بقطيعة تجارية ووقف الرحلات الجوية، وثانيها دفع حلفائها الى السير في خط المواجهة مع طهران حيث قطعت البحرين والسودان علاقاتهما معها، فيما اكتفت الامارات بتخفيض التمثيل الديبلوماسي مع الجمهورية الاسلامية في ايران، واستعدت الجامعة العربية لعقد اجتماع طارئ الاحد المقبل للتنديد بطهران. اما ثالث المسارات فتمثل في توجيه الاتهامات للايرانيين بالتدخل في لبنان وسوريا.
وعلى الرغم من دعوات التهدئة التي صدرت من عواصم كواشنطن وموسكو وباريس، والرد الايراني على الحكم السعودي باتهامه بتصدير ازماته الى الخارج، فقد تراجعت أسواق الأسهم بحدة في منطقة الخليج، وقادت البورصة القطرية الهبوط، ونزلت أكثر من 2.5 في المئة بعد أن تجاوز تأثير الاضطرابات السياسية أي أثر إيجابي من ارتفاع أسعار النفط.
كما سجل الريال السعودي هبوطا حادا أمام الدولار في سوق العقود الآجلة. وقفزت العقود الآجلة للدولار أمام الريال لأجل عام إلى 680 نقطة مقتربة من أعلى مستوى لها في 16 عاما مقارنة مع مستوى يقرب من 425 نقطة الخميس. وقال متعامل مصرفي بارز في المنطقة إنه «من المرجح أن تلامس العقود الآجلة استحقاق عام مستويات في حدود 800 نقطة هذا الأسبوع وفقا لمدى تصاعد الأحداث بين السعودية وإيران».
وفيما أعربت روسيا عن استعدادها «لدعم» حوار بين السعودية وإيران للجم التوتر الذي بدت مؤشرات على احتمال تمدده، مع إطلاق مسلحين النار على دورية للشرطة في المنطقة الشرقية من السعودية، وتفجير مسجدين واغتيال إمام ثالث في العراق، حمّل وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في مقابلة مع وكالة «رويترز»، طهران مسؤولية زيادة التوتر بعد إعدام الشيخ نمر النمر. وأكد أن الرياض سترد «على الاعتداء الإيراني»، متهماً طهران بإرسال مقاتلين لدول عربية والتخطيط لشن هجمات في السعودية وجاراتها في الخليج.
وقال «لا يوجد تصعيد من جانب السعودية. كل تحركاتنا رد فعل. الإيرانيون هم من ذهبوا إلى لبنان. الإيرانيون هم من أرسلوا فيلق القدس والحرس الثوري إلى سوريا».
وأضاف «سنوقف أيضا حركة الملاحة الجوية من إيران وإليها، وسنوقف جميع العلاقات التجارية مع إيران، وسنفرض حظرا على سفر الناس إلى إيران»، لكنه أعلن أن السعودية مستمرة في الترحيب بالإيرانيين سواء للحج أو للعمرة.
وبعد سرد الجرائم التي أعدم بسببها النمر و43 من أعضاء تنظيم «القاعدة»، قال الجبير عن الإعدامات «نستحق على ذلك الإشادة لا الانتقاد».
وأعلن أن قطع العلاقات جاء ردا على مشاكل موجودة بالفعل بالإضافة إلى مهاجمة السفارة في طهران. وقال إن «ذلك رد على سياسات إيران العدوانية على مدى أعوام، ولا سيما في الشهور القليلة الماضية. فالنظام الإيراني يرعى الإرهاب ولقد أنشأوا خلايا إرهابية في السعودية وفي عدد من الدول الأخرى».
واتهم الجبير السلطات الإيرانية بالضلوع في الهجوم على السفارة السعودية، مشيراً إلى أن «الديبلوماسيين السعوديين رأوا قوات أمن تدخل المبنى وتشارك في عمليات النهب، كما لم تستجب الشرطة لأكثر من طلب للمساعدة».
وعن الخطوات التي يتعين على إيران اتخاذها قبل أن تفكر الرياض في إعادة العلاقات الديبلوماسية قال الجبير إن على طهران «أن تحترم الأعراف الدولية والمعاهدات والاتفاقات، وأن تتصرف كدولة عادية تحترم سيادة جيرانها على أراضيهم».
كما لم تسلم الرياضة من تداعيات التوتر، فقد طالبت أندية «الهلال» و «النصر» و «الأهلي» و«الاتحاد» السعودية المشاركة في دوري أبطال آسيا لكرة القدم على مواقعها الالكترونية، بعدم لعب مبارياتها المقررة مع الأندية الإيرانية في إيران ونقلها إلى أرض محايدة.
وأطلق مسلحون النار على دورية للشرطة في بلدة العوامية بشرق السعودية، مسقط الشيخ النمر. وذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس) أن إطلاق النار أدى إلى «مقتل المواطن علي عمران الداوود وإصابة الطفل محمد جعفر التحيفه (8 سنوات)».
وتداول مستخدمون على مواقع التواصل صوراً قالوا إنها تعود للداوود الذي وصفوه بـ»الشهيد»، مؤكدين انه «استهدف» بنيران قوات الأمن السعودية.
ودان محمد النمر، شقيق الشيخ النمر، «الاعتداء» الذي تعرضت له السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد. وقال، في تغريدة عبر «تويتر»، «نقدر العواطف تجاه الشهيد الشيخ النمر ولكن نرفض وندين الاعتداء على سفارات وقنصليات المملكة في إيران وغيرها».
البحرين والسودان والإمارات
وسارعت دول قريبة من السعودية إلى اتخاذ خطوات شبيهة. وأعلنت البحرين، في بيان، «قطع علاقاتها الديبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، والطلب من ديبلوماسييها المغادرة «خلال 48 ساعة». وشمل القرار إغلاق بعثة البحرين لدى إيران، وسحب كل طاقهما.
واتهمت المنامة، في بيان، طهران «بالتدخل السافر والخطير، ليس فقط في شؤون مملكة البحرين فحسب، بل وفي شؤون دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وكذلك الدول العربية الشقيقة، من دون أدنى مراعاة لقيم أو قانون أو أخلاق، أو اعتبار لمبادئ حسن الجوار أو التزام بمبادئ الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي».
واعتبرت أن هذه التدخلات تظهر «إصرارا على إشاعة الخراب والدمار، وإثارة الاضطرابات والفتنة في المنطقة، عبر توفير الحماية وتقديم الدعم للإرهابيين والمتطرفين وتهريب الأسلحة والمتفجرات لاستخدامها من قبل الخلايا الإرهابية التابعة لها وإزهاق الأرواح وقتل الأبرياء».
وقال شهود إن الشرطة البحرينية أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع والخرطوش على محتجين تظاهروا على إعدام النمر في قرية الديه غرب المنامة. واشتبكت عشرات النساء ارتدين النقاب مع الشرطة وهتفن بسقوط حكم آل سعود لدى وصول مجموعة من الشبان الملثمين رشقت الشرطة بالحجارة والقنابل الحارقة. وردت الشرطة بقنابل الغاز والخرطوش.
وأعلن السودان قطع علاقاته الديبلوماسية مع إيران «فورا». وأكدت وزارة الخارجية السودانية، في بيان، أن القرار يأتي على خلفية «حادثة الاعتداء الغاشم على سفارة» السعودية وقنصليتها و»تضامنا معها في مواجهة المخططات الإيرانية».
أما دولة الإمارات، التي تحظى بعلاقات تجارية واقتصادية جيدة مع إيران، فقد استدعت سفيرها وخفضت التمثيل الديبلوماسي. وذكرت وزارة الخارجية الإماراتية، في بيان، إن أبو ظبي قررت خفض التمثيل «إلى مستوى قائم بالأعمال، وتخفيض عدد الديبلوماسيين الإيرانيين في الدولة»، كما تم «استدعاء» سفيرها في طهران سيف الزعابي تطبيقا للقرار. وعللت خطوتها «بالتدخل الإيراني المستمر في الشأن الداخلي الخليجي والعربي، والذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة في الآونة الأخيرة».
وأدانت الكويت مهاجمة متظاهرين إيرانيين مبنيي السفارة السعودية والقنصلية، وعبرت عن دعمها للرياض، لكنها لم تصل إلى حد خفض العلاقات الديبلوماسية مع طهران.
وفي القاهرة، أعلن نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية احمد بن حلي عن اجتماع طارئ لوزراء الخارجية الأحد، بهدف «إدانة انتهاكات إيران لحرمة سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد»، إضافة إلى «إدانة التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية».
وأدانت الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب، في بيان، ما وصفته بأنه «استفزازات إيرانية عدائية ضد السعودية»، معتبرة أنه يأتي ضمن تاريخ طويل من محاولات طهران «النيل من الدول العربية، وإشعال نار الفتنة الطائفية وتقديم الدعم للتنظيمات الإرهابية».
في المقابل، أعلن المتحدث باسم الحكومة التركية نعمان كورتولموش أن أنقرة لا يمكنها تأييد تنفيذ حكم الإعدام بحق النمر لأن أنقرة تعارض هذه العقوبة. وقال «نحن نعارض كل أشكال عقوبة الإعدام، خاصة إذا كانت لدوافع سياسية. من المستحيل بالنسبة لنا تأييد عقوبة الإعدام في أي بلد». وأضاف أن إعدام النمر لا يساعد على تحقيق السلام في المنطقة. وتابع «تربطنا صداقة بالسعودية وإيران ولا نريد لهما أن تتقاتلا، لأن هذا هو آخر شيء تحتاجه المنطقة».
طهران
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية جابر الأنصاري، في بيان، إن إيران «تعمل بحسب المعاهدات الدولية وتحترم تعهداتها في حماية الممثليات الديبلوماسية وتأمين حمايتها وحماية ديبلوماسييها». وأضاف «السعودية، وبما أنها ترى وجودها في استمرار الأزمات، تستخدم هذه القضية ذريعة لتصعيد التوتر والمواجهات، وتحاول حل مشاكلها الداخلية عبر تصديرها إلى الخارج».
وتابع «نعتقد أن المجتمع الدولي ودول المنطقة لن تسمح للسعودية بمواصلة سياسة التوتر والمواجهات التي سبق أن زعزعت الاستقرار في المنطقة».
ووصف نائب النائب الأول للرئيس الإيراني اسحق جهانغيري قرارات السعودية بأنها «متسرعة وغير مدروسة». وقال، مخاطبا المسؤولين السعوديين، «انتم من يتضرر من قطع العلاقات مع إيران» مضيفا «إيران بلد كبير وعليكم أن تجيدوا كيفية التعامل مع الكبار».
وتظاهر آلاف الإيرانيين في ساحة الإمام الحسين في طهران ورددوا هتافات مناهضة للعائلة الحاكمة في السعودية. وقاموا بإحراق أعلام الولايات المتحدة وإسرائيل. ولا يمكن إحراق علم السعودية في إيران لأنه يحمل لفظ الجلالة. وانتقد بعض المتظاهرين وزارة الخارجية الإيرانية، معتبرين انه كان يجب أن تبادر إلى قطع العلاقات مع الرياض.
دعوات للجم التوتر
وتخوفا من انعكاس التوتر السعودي ـ الإيراني على أزمات دامية وشديدة التعقيد، سارعت دول كبرى للدعوة إلى التهدئة.
وأجرى كيري اتصالين هاتفيين مع ظريف والجبير وحضهما على الهدوء.
وقال مسؤول أميركي إن كيري اتصل بظريف والجبير لان الأزمة الناجمة عن إعدام السعودية للنمر تهدد بمزيد من التصعيد. وقال مسؤول آخر «نحض على الهدوء وعدم التصعيد. إن الموقف يحتاج إلى الهدوء».
وحث البيت الأبيض السعودية وإيران على التحلي بضبط النفس في الأزمة. وقال المتحدث باسمه جوش إرنست «ما زال ينتابنا القلق بشأن حاجة الطرفين الإيراني والسعودي لنزع فتيل التصعيد في الموقف. نحث جميع الأطراف على التحلي بضبط النفس وعدم إشعال التوترات الملتهبة بالفعل في المنطقة». وحذر من أن النزاع بين طهران والرياض سيزيد من صعوبة دفع الأطراف المتحاربة في سوريا لإيجاد حل سياسي.
وعبر البيت الأبيض عن القلق جراء عدم حماية مقر البعثة الديبلوماسية السعودية في طهران من جانب السلطات الإيرانية. وأضاف ارنست إن الولايات المتحدة عبرت بشكل متكرر عن قلقها إزاء وضع حقوق الإنسان في السعودية وحذرت الرياض في الآونة الأخيرة من عمليات الإعدام.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركي جون كيربي إن الولايات المتحدة تريد من إيران والسعودية حل التوتر بينهما، مضيفا «لم نتدخل للوساطة».
وأعلنت وزارة الخارجية الروسية أن موسكو «مستعدة لدعم» حوار بين الرياض وطهران معربة عن «قلقها الشديد» حيال الأزمة التي اندلعت بين البلدين.
وأضافت الوزارة، في بيان، «نطلب بالحاج من طهران والرياض والدول الخليجية الأخرى ضبط النفس» داعية البلدين إلى سلوك «طريق الحوار». وأكدت أن «روسيا مستعدة لدعم هذه الجهود».
وكان مسؤول في الوزارة قال إن «روسيا مستعدة للقيام بوساطة بين الرياض وطهران» من دون تقديم تفاصيل إضافية، فيما نقلت وكالة «ايتار تاس» عن مصدر ديبلوماسي روسي قوله إن موسكو مستعدة لاستضافة محادثات بين ظريف والجبير، مضيفاً «إذا أبدى شركاؤنا، السعودية وإيران، استعدادهم ورغبتهم، فان مبادرتنا تبقى مطروحة على الطاولة».
وأعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوغاريتش أن الأمين العام بان كي مون أبلغ الجبير أن قرار الرياض قطع العلاقات الديبلوماسية مع إيران مقلق للغاية، مجدداً استنكاره للهجوم على السفارة السعودية في طهران.
كما دعت فرنسا إلى «وقف تصعيد» التوتر بين السعودية وإيران. واعتبر المتحدث باسم الحكومة الفرنسية ستيفان لوفول أن «تميز فرنسا هو قدرتها على الحوار مع الجميع، وقد ذكر وزير الخارجية (لوران فابيوس) بالرغبة في وقف التصعيد».
كما دعت برلين، عبر المتحدث باسم المستشارة الألمانية شتيفن زايبرت إلى بذل الرياض وطهران ما في وسعهما «لاستئناف علاقاتهما».
ودعا رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ووزارة الخارجية الايطالية الرياض وطهران «الحد من التوتر وعدم سلوك سكة التصعيد الخطير للجميع».