لم يأت قرار إعدام الشيخ نمر باقر النمركعمل قضائي بحت، وإنما يأت في سياق السياسات المتوترة للمملكة العربية السعودية، هذه السياسات التي أفضت إلى انكسار سياسي كبير في المملكة حتى باتت قرارات السياسيين فيها قرارت عشوائية استفزازية غير مدروسة، وبات المتابعون ينظرون إلى ممكلة يحكمها الصبيان من جهة، وإلى مملكة تعاني الصراعات الداخلية الكبيرة بين الأمراء والملوك كنزاع على القرار والسلطة .
في قراءة سريعة للسياسات السعودية في المنطقة يسهل القول أن ثمة عشوائية وقلة خبرة سياسية في إدارة النزاعات سواء مع الأصدقاء أم مع الأعداء وفي مقدمتهم إيران .
بدأ الإنحدار في القرار السياسي السعودي في طريقة التعامل مع الأزمة السورية، وبالرغم من التأثير الكبير للمملكة السعودية على بعض الفصائل في المعارضة السورية وبالرغم من المال السعودي الذي لعب دورا كبيرا في هذه الأزمة، إلا أن السياسة السعودية فشلت فشلا ذريعا ولم تسجل أي إنجازات تذكر في مواجهة النظام ومن يساعده، وبقيت اليد السعودية في سوريا قاصرة الى حد كبير، وكان آخرها فشل المؤتمر الذي شهدته العاصمة السعودية الرياض والذي جمع اطياف المعارضة السورية حيث لم يخرج بأي شيء يمكن أن يبنى عليه للمستقبل في سوريا .
وفي خضم الإنشغال السعودي بالأزمة السورية فتح السياسيون السعوديون عليهم نار اليمن في خطوة متسرعة وغير مدروسة فأعلنت السعودية حربها على اليمن تحت عناوين وأهداف متعددة لم تحقق منها شيء حتى اليوم بالرغم من مرور ما يقارب الـ 9 أشهر على هذه الحرب وقد أصبحت اليوم هذه الحرب بالنسبة للمملكة السعودية حرب استنزاف سياسي وعسكري لا طائل منه وفي الوقت نفسه تجد السعودية صعوبة بالغة في الإعلان عن فشلها هذا .
إن هذه السياسات المتسرعة ومع التطورات السياسية المتسارعة في المنطقة كانت السعودية بحاجة إلى حلفاء لتغطية الإنحدار العسكري والسياسي فلجأت إلى المظاهرة الإعلامية تحت مسمى التحالف الاسلامي لمواجهة الإرهاب دون أن يعلم أحد بهذه الخطوة، وجاءت هي أيضا خطوة ناقصة متسرعة يلزمها برامج وسياسات وتفاهمات لم تكن موجودة ولن تكون، أضف إلى ذلك لجوء الممكلة إلى تركيا كحليف يمكن أن يساهم في لملمة التشتت السعودي وهذا الضياع السياسي .
هذا الواقع السياسي الفوضوي الذي تعيشه السعودية أدى إلى تنفيذ قرار الإعدام بحق الشيخ نمر باقرالنمر ولا يخرج هذا القرار عن سياق الفوضى السياسية التي تعيشها المملكة فأكدت مرة جديدة على التسرع في القرارات وعلى قصرالنظر السياسي في التعامل مع الأحداث ولم تنظر إلى قضية النمر كقضية يمكن أن تسهم في مزيد من الصراعات الداخلية والإقليمة .
حاولت السعودية إن يكون قرار الاعدام هروبا إلى الأمام ورسالة الى إيران إلا أنها أغرقت نفسها من جديد بمزيد من الأزمات وسط شلل تام في اجتراح الحلول الممكنة للخرج من أزمتها في اليمن أو سوريا أو أزمتها الداخلية .
إن سياسات السعودية هذه أفقدت الممكلة حضورها السياسي ودورها الرعوي الذي كان سائدا في ما مضى ، وأصبحت بهذه الحال دولة عاجزة لم يعد ينقذها سوى المال حيث فقدت كل مقومات الصمود السياسي أمام الأحداث المتسارعة في المنطقة ولم تعد الدولة التي تستطيع أن تترك بصمتها في أي من الأحداث الجارية من حولها. إن هذا الإنكفاء هو ثمن السياسات الخاطئة المتسرعة وهو ثمن الحروب التي ورطت السعودية نفسها فيها دون النظر في العواقب والتداعيات .