يذكر أحد الذين عايشوا الشهيد الكبير المرجع السيد محمد باقر الصدر ، الذي اغتاله صدام حسين في 9 تموز 1980 بعد معارضته الشديدة للنظام ، والفتوى المشهورة التي أطلقها بحرمة الإنتماء لحزب البعث تحت أيّ ظروف ، بأنّ الشهيد كان على علاقة متينة مع الثورة الإيرانية وبأنّ الايرانيين وعدوه بالحماية وبالتدخل المباشر لإنقاذه من الداخل العراقي ومن براثن النظام ، ويضيف هذا المطلّع بأنّ الشهيد رحمه الله كان على اطمئنان تام بأنّ " الأخوة " الإيرانيين لن يسمحوا بأن يناله ضيم ، ويؤكد بأنّ الشهيد الصدر إنّما دفع حياته وحياة أخته الشهيدة بنت الهدى ثمناً لقراءة خاطئة ساهم الإيرانيون بطريقة أو بأخرى بإقناعه بها .
وأكاد أجزم بأنّ الشهيد الشيخ نمر النمر هو الآخر وقع بنفس المحظور بإتكاله على تطميناتٍ إيرانية بتقديم الحماية له وبالتدخل المباشر من أجل منع أيّ مكروه يمكن أن يصيبه ، وكذلك هي الحال مع جماعة الحوثيين في اليمن بعد الإتفاقات الثنائية التي سارعت إيران لتوقيعها مع النظام الجديد بُعَيْدَ الإنقلاب الذي قام به أنصار الله وحليفهم المخلوع علي عبد الله صالح كاستمرار لحالة الدعم السابقة ، والتي سرعان ما انسحبت منها إيران عملياً لحظة بدءَ عمليات عاصفة الحزم . كل هذه الأحداث ومثيلاتها تفتح من جديد وهذه المرة فوق دماء الشيخ النمر ملف الشيعة العرب ، وطبيعة علاقتهم بأوطانهم ومدى ولائهم لها ، وإرتباطهم بإيران من جهة أخرى .
وبغضّ النظر عن تحميل المسؤوليات أو الخوض بالأسباب والمسببات التي جعلت قسم كبير من هؤلاء الشيعة العرب يرتمون في الحضن الإيراني تحت مسوّغ الإنتماء المذهبي ، إلاّ أنّه يبقى القول في هذا السياق بأنّ الأثمان الكبيرة التي تُدفع نتيجة هذا الولاء هي أكبر بكثير وبما لا يقاس من لو أنّ خيار الإنتماء إلى الاوطان كان هو الخيار المتّبع بغض النظر عن كل مساوئ الأنظمة العربية كما كان يؤكد دائماً الإمام شمس الدين رحمه الله .
لا شكّ أنّ الإيرانيين ( لا يرقبوا إلاّ ولا ذمة ) لكل ما يمت للأوطان العربية من حرمة ، وما التدخل بالشؤون العربية إلاّ من باب إعتبار أنّ لها رعايا يتبعونها وهي وحدها تعتبر نفسها المرجع لهم دون سواها ، وعليه فهي تعطي نفسها الحق بهذا التدخل .
يبقى القول أنّ إيران إنّما تحاول من خلال الشيعة العرب بأن تحقق مصالحها ومصالح شعبها وهذا أمر يكاد يكون مفهوماً ، ولكن غير المفهوم في هذا المضمار هو المصلحة التي يحققها هؤلاء الشيعة العرب بإنقلابهم على أنظمتهم ومجتمعاتهم وأوطانهم ، بالخصوص بعد سياق تاريخي طويل أثبتت فيه إيران بأنّ مصلحتها الوطنية ومصالح شعبها الإيراني فوق كل اعتبار وأنّ التضحية بإتباعها وتركهم عند أول مفترق هو ديدن هذه العلاقة .
ومن ينادي منهم بولاية الفقيه وبالتبعية لإيران إنّما هو بالحقيقة لا يخدم إلاّ تلك المصالح الإيرانية وأنّه سوف لن يجلب على وطنه ومجتمعه إلاّ الويلات ولن ينال من إيران عند المصائب والشدائد ، إلاّ القليل من التنديد اللفظي وبعض المواقف الإعلامية ليس إلاّ ، ولنا بالشهيد النمر ومن قبله خير موعظة .