مات رجل الله نصير الناس لا الكنيسة بعد أن عاش عمره كاداً في سبيل اللبنانيين المحرومين منهم وفناه لحظة بلحظة مناضلاً في صفوف الجماهير نصرة لقضاياها الاجتماعية وعاملاً مهماً في ورش الاصلاح السياسي لتحسين شروط الدولة لصالح المجتمع لا الطوائف وهو بذلك قدّ غرّد خارج حنجرة وحُجرة الكنيسة التي دخلها كمسيحي مؤمن برسالة الانسان بالدفع نحو تعزيز فرص الحياة الكريمة لكل مواطن لبناني فكرّس نفسه كرسول اجتماعي همُه تطوير العمل الشعبي في اطار مشروعات مؤسسات المجتمع المدني .
عُرف عن غربغوار حداد رجل الدين المسيحي خروجه عن طوع الكنيسة المنشغلة بخدمة السلطان والتحاقه بروّاد العمل النضالي فكان قريباً من اطروحة الحركة الوطنية اثناء الحرب الأهلية لتصحيح مسار السلطة في لبنان بتعزيز الشراكة الوطنية وفق برنامج وطني لا طائفي يتأسّس وفق صيغ ديمقراطية تبقي لبنان بمعزل عن الاستبداد السلطوي السائد في العالم العربي.
حُرب الأب غريغوار حدّاد من المسيحيين كونه رأى في انعزالهم آنذاك صورة غير مطابقة للسمات المسيحية لهذا قرر خوض معركة مفتوحة مع الانعزال المسيحي من خلال استنهاض المجتمع المدني ومن ثم من خلال مأسسته لحشد قدرات هذا المجتمع في وسائل وسيطة تُسهم في مقاومة أطراف الرفض لأي مشروع علماني ديمقراطي للدولة .
لقد نجح غريغوار حدّاد في تأهيل وتنشيط المجتمع المدني وحقق انتصارات باهرة في هذا المجال الاّ أن سقوط الحركة المطلبية الوطنية في آخر مراحل عمر الحركة الوطنية اللبنانية قدّ أضعف من حركة حدّاد وحدّد مساحة دورها بحيث أن دور الأب قد تقلص ووهن لبروز معطى طائفي محمي بعصبيات سلطوية في الدولة والمجتمع .
لقد خسر لبنان أحد أعمدة العمل الانساني ولم يكترث أحد لا في الدولة ولا في المجتمع لرحيله فمضى كما يحب وحده دون أن يشغل بال أحد من الزعماء وبكوات الأحزاب ليبقى متفرداً وعلامة وحيدة في سماء التجربة اللبنانية التي ستفتقد باستمرار رجالات كالأب غريغوا حدّاد .