كلّ الشرورِ في العالم , وكلّ الألم الذي يُعاني منه الانسان , مردّه إلى السياسة السلطوية الخالية من القيم الانسانية الاخلاقية , فهي التي تدفع الانسان إلى إرتكاب الجرائم من أجل إرضاء " الأنا " الحقيرة التي تقتل البصيرة عند الساعي إلى البروز والتسلط , وتُبعدُه عن الانسانية الحقيقية لأن " الأنا " هي عين التكبّر والتعجرف وهي التي تمنع الانسان من المعرفة ومن رؤية الحقيقة وبالتالي هي الظلم .
" ألأنا " هي المصدر الاول لحبّ البقاء والتسلّط والبروز, وهي كلّها صفات شريرة إذا لم تتقيّد بالعلم والمعرفة والقيم الاخلاقية , بل إن القيم الاخلاقية في الواقع لا تجتمع مع حبّ " ألأنا " , فثمة تنافر بينها وبين القيم الاخلاقية , لأنها تدعو الانسان إلى تملّك كل شيء كيف ما إتفق من أجل أن ترضى , بينما القيم الاخلاقية لا تسمح بذلك كيفما إتفق .
أولُ قتلٍ في الدنيا كان بسبب حب التملّك وبسبب تسلّط " ألأنا " التي دفعت ألأخ إلى قتل أخيه , هكذا إرتكبَ " قابيل " الجريمة الاولى في بداية المسار الانساني بقتل أخيه "هابيل "عندما سيطرت عليه " ألأنا " الحقيرة , وكان الشرّ آنذاك بعنوان لماذا هو وليس أنا ؟ , هكذا تتكرر الجريمة كل يوم في كل مكان في العالم تحت عنوان لماذا هو وليس أنا , ولماذا هم وليس نحن ؟ .
وسوف يستمر الشرّ والألم في هذه الدنيا ما دامت " ألأنا " مسيطرة على البنية الفكرية السياسية , وما دامت السياسة في العالم بعيدة عن القيم الاخلاقية والانسانية , وتعمل على قاعدة الغاية تبرر الوسيلة , وما دامت السلطة بيد أناس لا يملكون المقومات الاساسية للحكم , وهي العلم والاخلاق والمعرفة الحقيقية , لأن السلطة التي يُمسك بها الجاهل بالحقيقة والجاهل بالقيم الاخلاقية لا تكون إلا سلطة مستبدة , ولا يصدر عن الاستبداد غير الشرّ , والألم ملازم للشرّ .