بينما بدأ طقس «فلاديمير» العاصف بالانحسار والتراجع بعد أن حلّ برداً وصقيعاً على الأجواء مخلفاً وراءه عاصفة مطرية سرعان ما أسفرت عن انزلاقات وانهيارات في التربة لا سيما في جبل «كفرنبرخ» الشوفية، شهدت الساعات الماضية هبوب عاصفة إيرانية هوجاء تستهدف برياحها الصفراء وأبواقها الفتنوية المملكة العربية السعودية على خلفية تنفيذ أحكام قضائية بحق عدد من مواطنيها المدانين بجرائم الإرهاب والتحريض على العنف والتطرف من بينهم الشيخ الشيعي نمر النمر، في وقت لا تنفكّ المشانق الإيرانية المعلّقة على مدار السنة من «إزهاق أرواح الأبرياء والمعترضين على ولاية الفقيه وإهدار دماء الآلاف من أبناء الشعب الإيراني المشرّدين في مشارق الأرض ومغاربها» وفق ما ذكر الرئيس سعد الحريري أمس في معرض صدّ «أبواق الفتن»، منبهاً في مقابل «المسلسل الإيراني الطويل» ذي الخلفيات المذهبية كل محبي المملكة إلى أهمية عدم الانزلاق إلى حيث تريد هذه الأبواق «من النفخ في رماد العصبيات».

الحريري، وفي بيان، أعرب عن الأسف الشديد إزاء تولّي البعض في لبنان تشريع الأبواب أمام العاصفة الإيرانية وأن «يتقدّم صفوف التحامل على المملكة وقيادتها بأساليب مرفوضة ومقيتة، على صورة ما قرأناه وسمعناه من قيادات «حزب الله» والأتباع من مقلّديه والمحيطين به»، لافتاً الانتباه في هذا السياق إلى أنّ «هناك من يتحدث عن السعودية ودورها ويطلق الاتهامات بحقها كما لو أنه يتحدث عن نفسه وعن الحالة التي تعيشها إيران ويعاني منها الشعب الإيراني«. وأردف: «الكلام عن الاستبداد والقهر والإرهاب والقتل والإجرام والإعدام وشراء الذمم والتدمير والتهجير والتشريد وتعطيل الحوار وارتكاب المجازر والتدخل في شؤون الآخرين، والإيغال في الفتن وتعميم ثقافة السب والشتائم وإقصاء المعارضين ورفض الآخر واجتثاث الأحزاب والجمعيات ورجال الدين وتهديم بيوتهم ومقارهم فوق رؤوسهم، هي كلها صفات طبق الأصل تنطلق على ألسنة القيادات في «حزب الله«، وتنطبق قولاً وفعلاً وممارسةً وسلوكاً على الحالة التي يمثلها النظام الإيراني ومشروع التمدد الإيراني على حساب العرب ودولهم ومجتمعاتهم»، مشيراً في سياق متصل إلى كون «المزاعم الباطلة لأبواق إيران هي تهم تنطبق حرفياً على ممارسات النظام السوري بحق شعبه في وقت تقاتل إيران وأدواتها الى جانب هذا النظام الذي يعدم مئات الألوف من مواطنيه ويهجّر ملايين منهم من دون تهم ولا محاكمات ولا شرع ديني أو بشري».

وفي إطار انتقاده سير «حزب الله» على خطى طهران وتصرّفه كأنه مسؤول عن شيعة العالم انطلاقاً «من مرجعية سياسية زائفة لإسقاط حدود السيادة الوطنية للدول القريبة والبعيدة»، نبّه الحريري إلى أنّ حصر ردة الفعل على الأحكام القضائية السعودية الصادرة بحق 47 مداناً فقط بالحكم الخاص بالشيخ نمر النمر إنما «هو وجه من وجوه التلاعب على الغرائز المذهبية»، لافتاً في هذا الإطار إلى أنّ النمر «مواطن سعودي يخضع كسائر المواطنين السعوديين والمقيمين في المملكة لأحكام القوانين السعودية، وليس مواطناً إيرانياً تطبق عليه قواعد الباسيج والحرس الثوري«، مع تشديده في الوقت عينه على أن «أبناء الطائفة الشيعية في لبنان والسعودية والعراق واليمن وفي أي مكان من العالم العربي، هم مواطنون في دولهم قبل أي شيء آخر»، بينما «التصرّف الإيراني مع هؤلاء المواطنين بصفتهم رعايا إيرانية بات يمثّل الخلل الأكبر الذي يهدّد العالم الإسلامي ويحرّك عوامل الفتن في غير مكان ومناسبة».

وإذ أبدى رفضه «التدخل في الشؤون الداخلية للدول الشقيقة (...) التي لم تتخلّ عن لبنان يوماً»، أعرب الحريري عن يقينه التام بأنّ «المملكة العربية السعودية تلتزم حدود المصلحة الإسلامية والعربية» وبأنها «ضنينة على سلامة لبنان واستقراره، وحتماً لن تتوقف عند كثير من الترّهات التي تتناولها وتسيء إليها، وستبقى على عهودها بمساعدة لبنان والمحافظة على وحدته الوطنية مهما تعالت حملات التحريض ضدها»، داعياً في المقابل «بعض قيادات الطائفة الشيعية في لبنان للتعاون على رفض العمل الجاري لتأجيج المشاعر وإثارة النفوس، والتزام الحكمة في مقاربة التحديات الماثلة وحماية الاستقرار الداخلي الذي يجب أن يتقدم على كل الولاءات».

وكان الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله قد أطل أمس في إطلالة متلفزة متوترة جديدة ليجسّد ويتماهى مع الحقد الإيراني الدفين تجاه المملكة العربية السعودية، مستخدماً في سبيل ذلك أقذع العبارات الفتنوية بحقها ومتطاولاً على الكرامات الشخصية لقياداتها على خلفية تنفيذ حكم الإعدام بالنمر. وإذ اتهم المملكة «بتأسيس وتمويل وإشعال الفتن القائمة»، حرّض نصرالله في المقابل «الخطباء والعلماء« على التصويب على المملكة واضعاً ذلك في إطار «أعظم أنواع الجهاد»، ومتوعداً بعبارات مذهبية السعودية بما وصفه «الرد الزينبي» وصولاً إلى تهديده بشكل فظ وهستيري نظام الحكم في المملكة بأنّ «ملامح نهايته بدأت تلوح في الأفق». 

انحسار «فلاديمير» 

في الأحوال الجوية، انحسرت عاصفة «فلاديمير» مخلفةً وراءها عاصفة مطرية أدت إلى سيول وانهيارات وانزلاقات صخرية (ص 4 5)، بحيث زحل جزء كبير من جبل بلدة كفرنبرخ المحاذي للمنازل ما أجبر نحو عشرين عائلة على إخلاء منازلها تحت وطأة كونها باتت مهددة بالصخور والأتربة المنزلقة.

توازياً، أعلن وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب أمس تمديد عطلة المدارس والثانويات والمهنيات الرسمية والخاصة حتى مساء بعد غد الأربعاء تجنباً للانزلاق والصقيع وتدني الحرارة، بعدما توقعت مصلحة الأرصاد الجوية هطول أمطار غزيرة اليوم مصحوبة بعواصف رعدية.