الكثير الذي كتب عن مبادرة الرئيس سعد الحريري الرئاسية ولا يزال، كما أن صاحبها، وإن لم يعلنها بعد، ما زال متمسكا بها وكأنه أطلقها اليوم. كيف ولدت المبادرة ؟ النهار" سمعت من مصادر في تيار"المستقبل" قصة شاملة روتها على النحو الاتي: بداية تقول المصادر ان نقاشا داخليا في"التيار" وعلى مستويات رفيعة إنطلق قبل 3 أشهر في الملف الرئاسي مدفوعا لاحقا بـ"تحرّك للملف في مؤتمر جنيف السوري". وفي هذا النقاش الداخلي كانت ثمة قراءة تحظى بالقبول مفادها أنه لا يجوز إسقاط احتمال أن يتم تمرير الاستحقاق الرئاسي بـ"دمائنا" على غرار ما جرى العام 2008، وبالتالي لا بد من الحيطة واستباق هذا الاحتمال بالعودة الى لائحة بكركي التي قطعت الطريق على البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بحصرها المرشحين بالقيادات المارونية الاربعة: الرئيس أمين الجميل، العماد ميشال عون، الدكتور سمير جعجع والنائب سليمان فرنجيه. وبالاتكال على هذه اللائحة جرى التفكير في خرق الجمود بتسوية سياسية. وبعد استعراض الخيارات الاربعة تبيّن أن التركيز محصور فعليا بثلاثة مرشحين هم:عون وجعجع وفرنجيه. أما الجميل، ولكونه رئيسا سابقا للجمهورية، فبدا انتخابه أمرا غير وارد حاليا. لذا تركّز البحث في البداية على جعجع فتبيّن أن أقصى ما وصل اليه هو 48 صوتا، لكنه فاز في المقابل بمنصة سياسية ينطلق منها الى العمل السياسي الواسع. اذذاك اتجه التفكير الى خيارات أخرى سقطت معها أفكار من نوع الإتيان برئيس من 14 آذار أو بمرشح وسطي، فبدأت مرحلة الحوار مع عون والذي كان من ثماره المفيدة تشكيل الحكومة الحالية، لكنه تعثّر عندما وصل الامر الى ملف الرئاسة الاولى لاسباب سيشرحها الحريري لاحقا.
ترشيح فرنجيه
وقبل الوصول الى خيار ترشيح فرنجيه كان "المستقبل" يواجه إنذاريَن هما: الحراك المدني وما أطلقه من حملة الإتهام بالفساد الذي لم يستطع "التيار" الوقوف حياله ساكنا، وبدء موجة هجرة الشباب من بيئة "التيار" عبر البحر الى اوروبا. وقد كان صادما أن يهاجر من باب التبانة وحدها نحو 26 ألف شاب. عندئذ لاح التفكير في خلق محور توافقي يطلق عملية الإنجاز الذي يتيح لـ"المستقبل" العمل ويؤدي مع انتخاب فرنجيه الى عودة الحريري الى رئاسة الحكومة ويمثل فرصة لتسوية سياسية بين 8 و14 آذار، مع الاشارة الى أن فرنجيه ملتزم اتفاق الطائف بعيدا من فكرة المؤتمر التأسيسي التي سبق لـ"حزب الله" أن أطلقها، وكذلك بعيدا من فكرة انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب كما اقترح عون بما يغيّر طابع النظام اللبناني ويجعله نظاما رئاسيا. وهنا تبدو قضية الطائف جوهرية في زمن يجري البحث عن شبيه له في سوريا والعراق واليمن وليبيا. وفي الوقت نفسه كان "المستقبل" مقتنعا بان "ثورة الارز" لن تكتمل إلا بإنهاء الاحباط المسيحي بمجيء رئيس قوي للجمهورية وهي صفة ليست بعيدة عن فرنجيه. وما زاد في اقتناع الحريري بفرنجيه ما قاله الاخير في مقابلته التلفزيونية مع الاعلامي مارسيل غانم لجهة العمل على النهوض بلبنان ولو بالحد الادنى، وهذا ما يتوافق مع إيمان الحريري بان لا احد سيكون منتجا مثل "المستقبل" إذا ما كان هناك استقرار سياسي".
وتخلص مصادر "المستقبل" الى القول "ان كل التحرك الذي قام به فرنجيه ولا يزال هو بالتنسيق مع "حزب الله" من الاول الى الاخر".
الاحتمالات
ما لم تقله المصادر تفصح عنه اوساط نيابية بارزة في 14 آذار لـ"النهار" اذ قالت ان العقبة الرئيسية في مواجهة المبادرة الرئاسية للحريري هي أن "حزب الله" لا يريد الان إجراء الانتخابات الرئاسية إنطلاقا من حسابات إيرانية تتصل بمصير نفوذ الحرس الثوري الايراني في سوريا. وفي المقابل، كسب الحريري رصيدا في التزامه إنهاء الشغور الرئاسي وسط مؤشرات تفيد أن حظوظ المبادرة الرئاسية ما زالت عالية بغطاء خارجي عبّر عنه أخيرا البطريرك الراعي. وأشارت الى أن تيار "المستقبل" يحظى الان باستقرار داخلي مع الاعتراف بأن هناك خسائر منيَ بها في المرحلة الماضية لكنها قابلة للتعويض في المرحلة المقبلة خصوصا في حال عودة الحريري الى لبنان وبالتوقيت الذي يقدّره هو.
تيار المستقبل، الحرس الثوري اٌت