حالة من التناقض الغريب يقدّمها حزب الله في سلوكه السياسي اليومي ، وهذا ما يشكّل نوعاً من الإرباك وعدم الفهم عند الشريحة الأوسع من جمهوره ، بحيث لم يعد يميّز حقيقة التبريرات الكثيرة التي يتلطى خلفها الحزب "المفدى" ولا المعاذير التي يسوقها لجمهوره بالخصوص عند أعتاب مطالب هذا الجمهور الإجتماعية أو بالموضوعات التي تتصل بتحسين متطلباته الحياتية .
ففي الوقت الذي يطالب فيه أهل الضاحية مثلاً عن النقصان الحاد في الخدمات الإجتماعية من كهرباء وماء ونظافة وما إلى ذلك ، يصطدم هؤلاء بالجواب المكرر منذ سنوات ، بأنّ الضاحية تعاقب على خياراتها السياسية وانتمائها إلى المقاومة وبأنّ القيّمين على شؤون الدولة يتعمدون الإقتصاص منها وبأنّ الحزب عاجز عن سدِّ كل تلك الثغرات وبأنّه لا يمارس ضغوطات بهذا الشأن حرصاً منه على وحدة البلد وعدم الوقوع في فخ المذهبية وما شاكل ذلك .
وفي نفس الوقت ، وعندما يتعلق الأمر بشأن سياسي يطال المصلحة السياسية للحزب نفسه يجدونه لا يقيم أيّ اعتبار أو أيّ وزن لا لوحدة البلد ولا ينتابه أيّ تخوف من إثارة النعرات المذهبية ، فلا يبالي مثلاً من استقبال مقاتلي الفوعة وكفريا كإستقبال الفاتحين الأبطال وبالخلفية الشيعية ضارباً بعرض الحائط كل مشاعر الشريحة الواسعة من شركاء الوطن وبالخصوص السنّة منهم .
وكذلك هو الحال مع حليفه ميشال عون ، فللوقوف على خاطره ولإشباع نهمه الشخصي بالوصول إلى كرسي بعبدا ، لا يتوانى حزب الله عن تعطيل كل مؤسسات الدولة وتفريغ العمل الحكومي وحتى النيابي وما يتصل من خلالها بمصالح كل اللبنانيين وطبعاً قسم كبير من جمهوره منهم ، فقط تحت عنوان " الوفاء " للحليف .
هذا " الوفاء" للحليف يفتقده دائماً جمهور الحزب ، ليحلّ مكانه الطلب منهم بالصبر مرة والتحمل مرات ومرات ، وهذه المقدرة الهائلة على ممارسة الضغوط والتعطيل والسيطرة التي يختفي معها كل التهويل بالفتن المذهبية أو بالدخول بحروب أهلية ، بحيث لا نسمع أيّ منها عندما يتعلق الأمر بمصالح حزبية متصلة بمراعاة مصالح الحليف بل نسمعها فقط عندما يتعلق الأمر بجمهوره .
فالكل سمع بخبرية أن تقوم إيران مثلاً بإنشاء معامل إنتاج كهرباء على مستوى كل الوطن في البداية ، إلاّ أنّ المانع كان ولا يزال بحسب الدعاية الحزبية أنّ " الحكومة " رفضت الطلب وبأنّ الحزب أمام هذا الرفض لا يستطيع أن يفعل شيئاً ، وعند الحديث عن إنشاء معمل إنتاج خاص بالضاحية أو بالجنوب، يتحوّل فوراً فؤاد السنيورة وخلفه الأميركي والسعودي إلى قوة كبرى لا حول للحزب أمامها ولا قوة إلاّ الإنصياع صاغراً .
على العكس تماماً عندما تكون المصلحة تتعلق بميشال عون وطموحاته وتياره ومصلحة أتباعه، فيتحوّل الحزب حينئذ إلى قوة جبارة لا تقهر ، ويستعمل كل ما لديه من نفوذ ومن قوة سياسية وغير سياسية للوقوف على خاطره ولو أدى ذلك إلى انهيار كامل الوطن .
فبين حزب الله الجبار لتلبية رغبات عون وبين حزب الله الضعيف أمام تلبية مصالح بيئته ، فلا شكّ أنّ جمهور الحزب يحسدون ميشال عون وجمهور ميشال عون على ما لهم من حظوة عند قيادة الحزب .