الوحدة هي تأكيد للمساحات المشتركة الكثيرة بين فرق الاسلام ومذاهبه ،الوحدة لا تعني تجاهلا للاختلاف ،إنما هي الأساس بوصفها تشكل نقطة البدء المركزية التي منها يمكن الانطلاق لمعالجة الانقسام ، وحين تكون الوحدة الكبرى هي الأساس تتحول الوحدات الصغرى إلى أجرام تتحرك في إطار الفلك الكبير وحدوده . إن الوحدة فعل إيمان واتجاه نحو الإحساس بالمخاطر المحدقة بالأمة لا برفع الشعارات دون المضمون .
بجب علينا أن نعترف بوجود الاختلافات لكونها رحمة للناس ،لا سلاحا يستخدم للإقتتال والفرقة والفتنة وتحقيق أغراض آنية . أن أول شئ يجب أن نتعلمه هو ثقافة التقريب التي تتعالى على الخلافات المذهبية، لكن اسأل هل الخطاب التوجيهي للقيادات الاسلامية عاجز عن صناعة ثقافة الوحدة والتقارب ؟!
ما يحدث على الساحات الاسلامية اليوم يعطي جوابا بفشل الجهود السابقة ، والسبب لضعف قوة التأثير ،فقد بقيت عبارة عن معالجات نخبوية تختص بالعلماء والمفكرين والمثقفين من السنة والشيعة. وهذا ما جعل مشاريع التقارب تفشل فشلا ذريعا ولا تعدو كونها استعراضات مهرجانية تنتهي صلاحياتها بعد أيام من انتهاء المؤتمر أو المحاضرة أو صدور كتاب أو بيان مشترك. إن التأزم المذهبي لا تعالجه فتوى دينية ، ولا تقضي عليه المؤتمرات الحوارية ،ولا تطفئه البيانات الدينية وإن كانت كلها ضرورية وهامة ، إنه حال ضاربة للجذور في مجتمعاتنا ﻷنه من النوع البركاني ، يخمد وينفجر من دون إشعار ، وهذا ما يستدعي أن يكون منهج المعالجة مختلفا تماما عما حدث ، فما هو المطلوب ؟ المطلوب هو وضع منهج كبير يتصدى له مفكرو الأمة ، لصناعة ثقافة جماهيرية تستنكر الفتنة المذهبية وترفض دعاتها ومثيريها وتدعو إلى النشأة والتربية منذ الولادة على محبة الآخر وتقبله مهما كان الاختلاف معه ،والوحدة الإسلاميةهي هدفنا الأسمى لخلق مجتمع تتحول فيه الاستفزازات المذهبية إلى كلمات خرساء غير مسموعة بعد نزع الكراهية والحقد لﻵخرين ،وأن ننطلق من الإسلام كعنوان رئيسي لنرى الآخرين مسلمين .. وأخلص إلى عدة أمور في هذا المجال :
1_ أن الوحدة لا تعني التنازل كما يحاول البعض تفسيرها ،وإنما هي اللقاء على القواعد المشتركة .
2_ أن من حق كل منا أن يلتزم قناعاته طالما أنها مبنية على الحجج والبراهين ،لكن المشكلة هي في طريقة تعاطينا مع هذا الاختلاف .
3_ لا ينبغي أن يكون التكفير واللعن هو أسلوب التعبير عن الرفض أو وسيلة المواجهة في الصراع ، لأنه لن يؤدي إلا إلى زيادة الأمور تعقيدا ما قد يفسح المجال للمزيد من الخصومات والحروب ...
4_يجب التركيز على مرتكز ثابت لإدارة الخلاف ،يكون أساسه الحجة والبرهان والقول بالتي هي أحسن ، بعيدا عن الجو المشحون بالشك والاتهمات غير المسؤولة ..
5 _ علينا أن نجعل من الوحدة الإسلامية بمفهومها الصحيح هدفا نسعى إليه ومشروعا نعمل على نجاحه وتحقيقه . يقول الله تعالى في محكم آياته : (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) ..