يَطوي عام 2015 صفحته وفي سِجلّه أكثر من 454 ألف و200 محضر مخالفة، وأكثر من 2651 حادث سير و3658 جريحاً و476 قتيلاً، بحسب إحصاءات المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي الأوّلية. عائلات تَفكّكت، أولاد تيَتّموا، أمّهات فُجعنَ، فشبحُ الموت، للأسف، لم يَتوانَ عن حصدِ أرواح مواطنين كثُر خلال تنقّلاتهم، بعدما تجاوَز معدّل حوادث السير الـ 200 حادث شهرياً. تكاد تتحوّل الأوتوسترادات والمنعطفات الرئيسية في لبنان إلى محطات تُخَلّد أرواح مَن سَقطوا نتيجة حوادث السير، فعلى جسر الدورة خسرَ اللبنانيون الممثّل الشاب عصام بريدي، وبمحاذاة نهر الموت وَدّع التلامذة معلمتَهم هدى مجدلاني بعدما اجتاحَ صهريج 3 سيارات وحصَد أرواح 4 أبرياء، وعلى طريق المطار صَدمت سيارة المواطن خالد ورفيقَه بينما كانا يَسحبان جثتين مدهوستين. وعلى أوتوستراد القلمون، وفي السعديات… وغيرها من مناطق اقترنَ اسمُها بعبارة “وقوع حادث سير مرَوّع”.
أساس المشكلة…
تحوَّلَ مشهد المارّة الممسكين بأيدي بعضهم بعض وهُم يَعبرون الأوتوستراد بمسلكَيه الشرقي والغربي ظاهرةً بحدّ ذاتها، وتحديداً على أوتوستراد الضبيّه، فمِن دون سابق إنذار يَرمون بأنفسِهم أمام السيارات فارضينَ أمراً واقعاً، فيَغدو السائق أمام خيارَين أحلاهما مُر، فإمّا يدهسَهم نتيجة سوء الرؤية تحت جناح الظلام، أو يتمهّل فتأتي سيارة من خَلفه وتصدمه.
تستحوذ حوادث الصدم على النسبة الأكبر من حوادث السير التي تشهدها المناطق التي تغَطّيها مفرزة سير جديده، والتي تمتدّ مِن نفق نهر الكلب وصولاً إلى نهر بيروت، الفوروم، جسر الباشا، المنصورية، المتن، الصالومي، بولفار ميرنا الشالوحي، خبّاز. في هذا الإطار، يوضح آمر مفرزة الجديدة النقيب روني القصّيفي: “منذ تطبيق قانون السير الجديد، تَمكّنا من خفض عدد قتلى حوادث السير في نطاق المفرزة إلى نحو الـ 14 قتيلاً، واللافت أنّ 10 منهم ضحايا مشاة قتِلوا صَدماً أو دهساً”، مشيراً إلى “أنّ الاكتظاظ السكّاني ضاعَف نسبة حوادث الصدم المسجّلة، خصوصاً أنّ بعض الأجانب وتحديداً النازحين منهم، يَجهلون مدى خطورة الطرق وعبور الأوتوسترادات”.
أكثر من 350 مخالفة في ساعتين
على رغم أنّ زيادةَ جسور المشاة، وعزلَ مسالك الأوتوسترادات بالفواصل لمنعِ المواطنين من اجتيازها، وتحسينَ هندسة الطرق هي مِن خارج مسؤوليّة مفارز السير وعمل القوى الأمنية، إنّما الوزارات المعنية، فإنّ القصيفي يَعتبر “أنّ العمل على لجمِ سرعة المواطنين أمرٌ أساسيّ”، ويوضح: “نعمل في نطاق المفرزة على أكثر من مستوى. وضمن مسؤولياتنا نحاول قدرَ المستطاع معالجة الثغرات التي تتكشّف لنا، بالنظر إلى الإحصاءات خلال الأعوام”.
ويضيف: “لذا بَعد مراقبة مكثّفة لطبيعة الحوادث وجَدنا في ضبط السرعة مسألة أساسية، فتَمكّنا من خفض نسبة قتلى حوادث التصادم إلى 4 قتلى، لذا كثَّفنا نقاط توزيع الردارات وتأكّدنا من أنّ العدد الأكبر من السائقين لا يَلتزم السرعة القصوى المحدّدة.
فمن 1/1/2015 حتى 28/12/2015 استحوذت مفرزة الجديدة في جبل لبنان على الحيّز الأكبر من مخالفات السرعة الزائدة التي بَلغ عددها 44 ألف و688 محضراً، يَليها شمالاً مفرزة سير طرابلس 33 ألف و250، بقاعاً مفرزة سير بعلبك 22 ألف و173 مخالفة، جنوباً مفرزة سير النبطية 12 ألف و473 مخالفة”.
ويأسَف القصّيفي لتجاوُز مخالفات السرعة في نطاق “مفرزته” “الـ 350 مخالفة أحياناً في ساعتين، وتحديداً على أوتوستراد ضبيه في محيط المراكز التجارية”، مشيراً إلى “أنّ العدد الأكبر من المواطنين يتجاوز السرعة المحدّدة بأضعاف، ما يسَبّب خطراً على أرواحهم وأرواح المارّة”.
ويؤكّد القصّيفي أنْ ليست الغاية “اقتناص الأموال من المواطنين إنّما تنبيهُهم، والدليل أنّه أكثر من مرّة يتمّ الإعلان عن وضع رادار كما حصل في فترة الاعياد، وذلك حِرصاً على سلامتهم”.
أيّ أثر لقانون السير الجديد؟
لا يُنكر القصّيفي أنّ تطبيق قانون السير الجديد لا يزال في أولى مراحله، ومجموعة واسعة من المخالفات لم يتمّ التوقف عندها عام 2015، مثل إلزامية الإطفائية، وضع حزام أمان في المقاعد الخلفية، وضع الأولاد في المقاعد المخصّصة لهم، وغيرها من الأمور التفصيلية. لذا يعتبر “أنّ القانون أمام سيلٍ مِن التحدّيات عام 2016 لاستكمال تطبيقه والمضيّ قدُماً في التغيّرات المتفَق عليها”.
ويتوقف القصّيفي عند بعض الفروقات التي أحدَثها القانون الجديد، قائلاً: “بلغَ مجموع محاضر المخالفات 531 ألف و639 عام 2014، فيما انخفض إلى 454 ألف و200 عام 2015، مع الإشارة إلى بقاء تصَدّر السرعة الزائدة قائمة المخالفات على رغم تدَنّيها المحدود، من 272 ألف و127 سنة 2014 إلى 266 ألف و264 عام 2015، كذلك تَدنّي نسبة القتلى من 650 إلى ما دون الـ 500”.
في المقابل يأسف أمين سر “اليازا” كامل إبراهيم إلى “موسمية” التزام المواطنين قانون السير الجديد، قائلاً: “لا شكّ في أنّ التزام اللبنانيين قانون السير الجديد بلغَ أوجَه في أولى مراحل تطبيقه، فبَعدما لم تنخفض النسبة من كانون الثاني إلى آذار عن الـ220 حادثاً، سجّلَ نيسان نحو 193 حادثاً، أيار 175، حزيران 199، لتعودَ وترتفع في تمّوز إلى 222، وآب 201 حادث. وكأنّنا عُدنا نرى الأرقامَ عينَها التي كانت قبل إطلاق القانون”.
في هذا السياق يَصعب تجاهل إحصاءات الصليب الأحمر اللبناني التي تصبّ في الاتجاه ذاته، فبَين نيسان وحزيران تراجعَت نسبة إصابات حوادث السير التي أسعَفها الصليب الأحمر إلى الـ 860، في ما عادت لتتجاوز الألف إصابة في تمّوز والأشهر التالية.
أمام تحديات الـ2016
يُولي إبراهيم أهمّيةً كبيرة للحملة الإعلامية التي رافقَت إطلاق القانون، “فقد شَكّلت صدمةً إيجابية لدى المواطنين، والدليل نسبة الالتزام التي تجَلّت، ولكنّ المؤسف انّ التشدد في التطبيق تجلّى في المناطق الساحلية، فيما في المناطق النائية لمسنا تراخياً، ربّما لنقصِ عديد القوى الأمنية أو لانهماكهم بقضايا أخرى فرَضت تبديلاً في الأولويات، ففي البقاع ارتفعَت نسبة قتلى حوادث السير نحو 20 في المئة عن العام المنصرم”. ويضيف: “كذلك اللبنانيّ سريع النسيان، فسُرعان ما طغَت قضية النفايات والأوضاع الأمنية على غيرها من المواضيع، وعُدنا نرى تراخياً في الالتزام”.
ويشَدّد إبراهيم على أهمّية مواصلة تطبيق مراحل قانون السَير، “بدءاً مِن اعتماد المكنَنة إلى سرعة تبليغ محاضر المخالفة على نحو يتّعِظ به المواطنون ونصل إلى فعالية أكبر”، مشيراً إلى أهمّية استكمال مراحل تطبيق القانون مع جملة تحسينات هندسية: “إلغاء الفتحات إلى جانب أعمدة الكهرباء على طول الأوتوسترادات، تثبيت كاميرات مراقبة عند الإشارات الضوئية”.
ويذهب إبراهيم أبعد من ذلك مثمّناُ الاهتمام الجدّي الذي يوليه رئيس الحكومة تمام سلام للسلامة المرورية، قائلاً: “لا بدّ من مواصلة المجلس الوطني، الذي يرأسه سلام، عملَه، واستكمال خطوة تعيين الدكتور رمزي سلامة كأمين سرّ بتعزيز العمل بفريق من المتخصّصين لوضع خطط على أسُس علمية”.
وتابَع: “بالإضافة إلى عمل اللجنة الوطنية للسلامة المرورية التي يَرأسها وزير الداخلية والتي تضمّ مجموعة من المؤسسات المعنية والنقابات، بذلك تتوضّح بوادر عمل مؤسساتي في التعامل مع ملفّ السير والسلامة المرورية، في خطوةٍ تأسيسية لم يشهد لها مثيل”.
وسط التحدّيات الأمنية والسياسية والاقتصادية… ترتفع أسهم الرهان وتَبرز الهواجس حول مدى إمكانية الإبقاء على الاهتمام الرسمي والأمني بملف السلامة المرورية، في بلد تتشعّب فيه الأولويات وتتضارَب أجندات مسؤوليهِ؟ فهل سيبقى المواطن يَدفع حياته “فرقَ عملة” في طرقات تفتقِر إلى أدنى شروط السلامة المرورية في العام الجديد؟
(ناتالي إقليموس – الجمهورية)