لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم السادس والثمانين بعد الخمسمئة على التوالي.
إنه اليوم الأخير في سنة قاحلة، سيدفنها اللبنانيون بفرح، ولعلهم كانوا يتمنون لو أن بالإمكان ترحيلها مع أكوام النفايات، حتى لا يبقى لها أثر.
لن تجد 2015 من يتأسف عليها أو يشتاق اليها، وهي التي يزدحم «سجلها العدلي» غير النظيف بالعلامات السوداء، نتيجة «ارتكاباتها» التي توزعت بين تعميق الأزمة الاقتصادية، وتمييع الفرصة النفطية وإطالة أمد الشغور الرئاسي، وتعطيل مؤسسات الدولة، واستهداف الأمن عبر عمليات إرهابية وصولا الى اغتيال عميد الأسرى سمير القنطار في الأمتار الأخيرة من العام.. واللائحة تطول.
وإذا كانت سنة 2015 قد «طلعت ريحتها»، فإن المواطن الممسك بحبال الأمل يتطلع الى أن يعوّض له عام 2016 خيباته المتراكمة، أقله بانتخاب رئيس للجمهورية يعيد الاتزان الى جسم الدولة المترنح، ويضبط إيقاع الصراع الداخلي إذا كان إنهاؤه متعذراً في الوقت الحاضر.
ولكن.. هل يمكن أن يحقق مطلع العام الجديد ما عجز عنه سلفه، فيحمل الى قصر بعبدا الرئيس المنشود، أم أن الشغور سيبقى سيد القصر حتى إشعار آخر؟
من الواضح بداية أن هناك مجموعة «ثوابت» باتت تحكم مسار الاستحقاق الرئاسي، وسيكون لها بالتالي التأثير الكبير على تحديد وجهته في المرحلة المقبلة، وهي:
ـ «سطوة» المعطيات الإقليمية والدولية التي كانت ولا تزال تشكل «قاطرة» الاستحقاق، بعد إخفاق كل المحاولات التي جرت لفك الارتباط بينهما. ولولا المظلة الخارجية (برغم بعض الثقوب فيها) ما كان ترشيح النائب سليمان فرنجية ليصبح معطى متقدماً بين ليلة وضحاها.
ـ إلزامية «الرئيس القوي» الذي يملك حيثية في بيئته ويكون مقبولاً من البيئات الاخرى، وبالتالي سقوط مفهوم «المرشح الوسطي».
ـ انتماء الرئيس المقبل الى فريق «8 آذار»، وهو الأمر الذي كرّسه قبول الرئيس سعد الحريري بانتخاب فرنجية، بحيث لم يعد ممكناً تخفيض السقف الى ما دون فرنجية أو العماد ميشال عون.
ـ ضرورة الخوض في «سلة سياسية» تتضمن الى جانب اسم الرئيس تصوراً لقانون الانتخاب ومقاربة مشتركة لكيفية إدارة السلطة في العهد الجديد.
... وما هي السيناريوهات العملية المحتملة في السنة الجديدة، تحت سقف هذه الثوابت؟
ـ ترشيح فرنجية: يمكن القول إن هذا الترشيح سيبقى مطروحاً بجدية مستمداً الأوكسيجين السياسي من الدعم الخارجي (السعودي ـ الأميركي ـ الفرنسي خصوصاً) وتأييد الرئيس سعد الحريري، وغياب البديل العملي في ظل استمرار «الفيتو» على عون، ورغبة «حزب الله» وطهران ودمشق في حماية الإنجاز المتمثل في موافقة الخصوم على اسم فرنجية، إنما مع إبقاء الأولوية الرئاسية لعون.
لكن عناصر القوة هذه لا تكفي وحدها لإيصال رئيس «تيار المردة» الى قصر بعبدا وإن كانت تبقيه من بين المرشحين المتقدمين، وذلك في انتظار تبلور اتجاهات العامل الإقليمي المؤثر، ربطاً بما ستؤول اليه التطورات في اليمن وسوريا.
ولئن كان الرئيس فؤاد السنيورة قد أكد أن مبادرة الحريري انطلقت بتفاهم إيراني ـ سعودي غير مباشر، معتبراً أن تجميدها يعود الى كون إيران «فرملت» حماستها لها لاحقاً، إلا أن مصادر ديبلوماسية في بيروت أشارت الى أن طهران لم تكن جزءاً عضوياً من تلك المبادرة، وأنها تبلغت بها ولم تشارك في صناعتها.
ـ ترشيح عون: يراهن الجنرال على عامل الوقت الذي يفترض أنه يعمل الى جانب قوى «المحور الحليف» في المنطقة، بغية تحسين شروط معركته الرئاسية واستعادة المبادرة، بحيث ينتقل من الدفاع الذي فرضته عليه مبادرة الحريري الى الهجوم مجددا، علما أن طريق عون الى القصر تبدو مقفلة بسواتر «المستقبل» وراعيه الإقليمي، اللذين يصران على رفض انتخابه امتداداً لمسار طويل من السلبية والتوجس حياله بدأ منذ العام 2005، حين مورست ضغوط على فرنسا لمنعه من العودة الى لبنان، مروراً بالتحالف الرباعي الذي كان يستهدف تحجيمه، وصولاً الى تشكيل حكومة الرئيس السنيورة بعد الانتخابات من دون تمثيل «التيار الوطني الحر» فيها، برغم أن عون حصل حينها على 70 في المئة من أصوات المسيحيين، وانتهاءً بالتجربة الأخيرة حين رُفض اقتراحه بتعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش.. فكيف بانتخاب عون رئيساً.
ولعل السنيورة كان واضحاً عبر كلامه المنشور أمس في تظهير أزمة الثقة المستفحلة بين «المستقبل» وعون، والتي تضرب جذورها في تربة الخلاف التاريخي معه حول اتفاق الطائف.
ومن المفارقات أن عون يستند في «صموده الرئاسي» الى كل من «حزب الله» ورئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع اللذين تقاطعا، كل من موقعه وحساباته، عند الرابية!
لقد كان الحزب حاسماً في التأكيد أنه لم ولن يتولى الضغط على الجنرال للتخلي عن ترشيحه، موحياً بأن من أطلق مبادرة ترشيح فرنجية هو المعني بإقناع عون بها، أي المطلوب من الحريري أن يحاور الجنرال لتسويق المبادرة لديه على قاعدة سلة شاملة ترضيه، أو ربما يقنعه الجنرال بالعودة الى الخيار الرئاسي البرتقالي.
أما جعجع الذي أغضبه تهميش الحريري له في محطات عدة، كان آخرها ترشيح فرنجية، فهو قد يندفع نحو مغامرة دعم عون إذا وجد نفسه مضطراً في نهاية المطاف الى الاختيار بينه وبين رئيس «المردة»، ساعياً في الوقت ذاته الى التخفيف من كلفة هذه المغامرة عبر محاولة بلورة مقاربة مشتركة مع الجنرال للملفات الحساسة.
- استمرار الفراغ: يبدو هذا الاحتمال الأكثر رجحاناً، أقله في المدى المنظور، الى حين عبور المنطقة «المرحلة الانتقالية» نحو التسويات الكبرى والتي ستسبقها تطورات ومواجهات في الميدان، لتحسين المواقع التفاوضية.
ولعل أخطر ما في التمديد للفراغ هو أنه يمكن أن يشكل بيئة ملائمة لأحداث دراماتيكية في الداخل، وهذا ما تخشاه مراجع أمنية رسمية أبلغت «السفير» أنها تتخوف من اغتيال سياسي كبير، لخلط الأوراق والدفع في اتجاه إجراء الانتخابات الرئاسية على «الحامي»، مشددة على ضرورة التنبه والحذر.
السفير : مراجع أمنية تتخوف من عودة «الاغتيال السياسي» 2016 رئاسياً: أي حسابات للاعبين.. وما هو السيناريو الأرجح؟
السفير : مراجع أمنية تتخوف من عودة «الاغتيال السياسي» 2016...لبنان الجديد
NewLebanon
|
عدد القراء:
411
مقالات ذات صلة
الجمهورية : السلطة تحاول التقاط أنفاسها... والموازنة تفقدها...
الاخبار : السفير الروسي: الأميركيّون يهيّئون لفوضى في...
اللواء : باسيل يتوعَّد السياسيِّين.. ورعد...
الجمهورية : مجلس الوزراء للموازنة اليوم وللتعيينات غداً.....
الاخبار : الحريري بدأ جولة...
اللواء : هل يستجيب عون لطلب تأجيل جلسة المادة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro