مما لا شك فيه أن الناس يحتاجون دائماً إلى المعرفة ، وإن السعي إلى المعرفة المنتجة بغض النظر عن متعلقها هي أمر إيجابي وأحياناً كثيرة تكون المعرفة أمراً ضرورياً وأساسياً في حياة البشر،. وإذا كنا نتحدث عن سعي بشري للمعرفة والإجتهاد والإنتاج ودراسة الماضي والحاضر ومحاولة إستشراف المستقبل لتحديد آليات النهوض بجهوزية لائقة بالمواكبة الحضارية المسؤولة ،فإن إمكانية الخطأ لا تقلّ عن إمكانية الصواب. لذلك فإن من اجتهد ولم يقصر ثم أخطأ له أجر واحد ومن أصاب اليقين فله أجران.
كلّ ذلك لأن الإرادة البشرية، التي تقرر الفعل، يجب أن تتأسس على المعرفة وأن تستنير بها كي لا تبقى قراراتها عشوائية. لأن عشوائية القرار ستنتج منحى عشوائياً من حياة الإنسان وتوجهاته، وحينئذٍ لن يكون هناك أي فائدة من رأي عام داخل المجتمع يسوده الجهل والجهالة أو يتأثر بمناخات الخرافة والأساطير .
كل ذلك واضح لا نقاش فيه،ولكن قضية الكون والإنسان والمجتمع وضغطها بتصور نهائي وحاسم عن صورة المستقبل تبقى أشدّ تعقيداً من أن تحصر في نظرية أو فكرة أو توقعات عابرة تضمن لنا توقع أحداث المستقبل ، إلا ما كان متصلاً بنبوءة إلهية وإخبار غيبي بآية من وحي أو حديث صحيح من لسان نبي مرسل . وهو المفقود حتماً في نبوءات الوحي الكاذب وإن زُيّنَ بإستديوهات فاخرة وقنوات فارهة.
متابعة المنجَمين بين التجهيل والإستغباء والشحوب الروحي
وحيث طغت المادة على صفحة القلوب والعقول،وبدأ الإنسان نتيجة البُعد عن الروحانيات المضيئة يتحول إلى مجرد حطام محاصر بكثير من السدود التي تصيبه باليأس والإحباط ، حينها لجأ إلى أخبار المتنبئين باحثاً عن بريق أمل مستقبلي ليريح نفسه من التعب ،فهو يريد أن يعرف ما إذا كان الخير موجوداً حتى يأتيه في الآتي من الأيام ،ولكنه لا يريد أن يسعى بحثاً عن هذا الخير أو مساهمة في صناعته هجرة وتجارة وزراعة وصناعة وعلماً ،وإنما يشتهي الخير من دون عمل ،وهنا يبرز دور الإرادة الممزوجة بالإيمان والثقة ،فعندما يصلح الإنسان علاقته بالله فإنه سيكون أقوى من كل الظروف، وحينما يطمئن إلى أن الله هو القادر أن يطمأن نفسه وأن يشرح صدره ويشد أزره ، فإنه سيمسي أقوى شكيمة وأرسخ أملاً واشد قدرة على السعي نحو تحقيق الآمال والطموحات، وبذلك يرى طريقه بوضوح دون أي تشتت في مسالك الحياة المتنوعة ودون أي خضوع لمقررات مسبقة تم تلقينه بها من خلال الأبراج وأخبار المبصّرين أو من خلال ما يسمى بالمتفائلين بالقرآن والمعالجين الروحانيين ..
وحيث يأمر الله بالسعي والعمل يصبح الإكتفاء بالروحانية الإيمانية مجرد ترف أو عكاز نفسي لتبرير الكسل والخمول ، بل هي روحانية مظلمة قاتلة يمقت الله صاحبها وينفر العقلاء من منطقها لأنها حرفة عاجز كسول ، وحيث تُنجّزُ الأسباب وتهيْ المقدمات ويسيل العرق المضني على طريق الأحلام المشروعة يصبح بإمكان الإيمان أن يحرك الجبال وأن يقتلع الأوتاد ولا زال النبي الأكرم محمد (ص) يرددُ بأنفاسه الطاهرة " إعقل وتوكل " .
وهذا هو السبب في أن أعظم ما تم في العالم إنما تم بقوة الإيمان ، وإن أعظم الناس قوةً ونفوذاً وأثراً وقدرةً على التغيير هم المؤمنون أقوياء الإيمان ، الصابرون صادقو الصبر .
ولكن ..ماذا نصنع في التسطيح الذي ضرب الوعي والغباوة التي صارت تتوالد إستغباءات متتالية تجر كثيراً من الجهل والإستحمارات الحديثة المعدّلة بثالث أوكسيد التخلف المعرفي والشحوب الروحي الذي ضرب الإنسان في يومنا هذا حتى صار يلتمس الخلاص بكل شيء ولا يريد أن يلجأ إلى ربه ملتمساً هداه وعونه ؟
مقتطف من دراسة :التوقعات الفلكية بين الرؤية الدينية والحقيقة العلميةــ مقاربة لظاهرة التنجيم وإثارات الإعلام التكسبي
الشيخ عباس أحمد شحادي