ظلت المراوحة في سائر الملفات العالقة، وفي مقدمها الملف الرئاسي، سيّدة الموقف. لكنّ الجمود السياسي كسره أمس خروج «حزب الله» عن صمته حول ما سُمّي «التسوية الرئاسية»، مجاهراً من مقر البطريركية المارونية في بكركي بالتزامه مع رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون وتأكيده انه «ليس من عليه ان يبادر لإزالة العقبة من أمام المبادرة او التسوية الرئاسية»، ومشدداً على انه «غير معني بهذا الأمر». في وقت نأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع عن «التسوية الرئاسية» الى التشديد على وجوب التمسّك بـ14 آذار حتى النهاية، على رغم ما ارتكبته من أخطاء في السنوات الخمس الاخيرة. قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره أمس انه سيركّز اهتمامه مع بداية السنة الجديدة على تفعيل عمل الحكومة وتأمين انعقاد جلسات مجلس الوزراء، سواء كان انتخاب رئيس الجمهورية سيحصل بعد اسبوعين او بعد مدة طويلة.

واكد بري امام زواره أمس انّ تعطيل البعض لعمل مجلسي النواب والوزراء اعتقاداً منهم انه سيكون العلاج لأزمة الاستحقاق الرئاسي أثبت بالتجربة انه علاج غير مناسب بدليل انه لم يؤد الى انتخاب رئيس الجمهورية، وانه عطّل مؤسسات الدولة وبات يهدد هذه المؤسسات بخطر كبير، وهذا ما يجب تلافيه.

وقال بري انه سيضع أركان طاولة الحوار بين قادة الكتل النيابية أمام مسؤولياتهم في الجلسة المقررة في 11 من الشهر المقبل، لجهة أن تتضافر الجهود لتفعيل عمل الحكومة وتأمين انعقاد مجلس الوزراء على الدوام، ليُبنى على هذا الأمر لتفعيل عمل مجلس النواب عبر فتح دورة تشريعية استثنائية له من دون انتظار بدء العقد التشريعي الاول في السنة الجديدة ابتداء من أول ثلثاء بعد 15 آذار المقبل.

وفي الوقت الذي أشار بري الى انّ حديث البعض عن انّ مبادرة الرئيس سعد الحريري الرئاسية قد جمّدت، استبعدت الاوساط السياسية عودة الحراك السياسي الى وتيرته قبل عودة رئيس الحكومة تمام سلام من إجازته الخاصة في لندن.

وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انّ حركة المشاورات الثنائية التي شهدتها أروقة فريق 14 آذار قد جمّدت للأسبوع الثاني على التوالي، على ان تستأنف الأسبوع المقبل بعد ان تكون البلاد قد عبرت عطلة رأس السنة الى الإستحقاقات المرتقبة وأبرزها الموعد الجديد لجلسة هيئة الحوار الوطني والحوار الثنائي الجاري ما بين حزب الله وتيار «المستقبل» والجلسة المقررة لانتخاب رئيس الجمهورية، وكلها ستنعقد في خلال الأيام العشرة الأولى من السنة الجديدة.

مرجع حكومي

وفي هذه الاجواء، اكد مرجع حكومي سابق تمسّكه بوحدة 14 آذار «التي تجلّت مجدداً في ذكرى اغتيال الوزير السابق محمد شطح من خلال مشاركة كل مكوناتها، وتحديداً رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الذي برهنت مشاركته، على رغم الخلاف في الملف الرئاسي، عن الحرص على التمييز بين التباين في هذا الملف والتوافق والاتفاق في الملفات الجوهرية الأخرى المتصلة بثوابت 14 آذار ومسلماتها، وأنّ هذه الحركة التي نجحت في تجاوز الخلاف في المشروع الارثوذكسي وتأليف الحكومة والحوار ستنجح في تجاوز الخلاف الرئاسي، لأنّ ما يجمعها أكبر بكثير ممّا يفرقها».

وقال المرجع، حسبما نقل زوّاره عنه قوله لـ«الجمهورية»: «انّ الانفتاح على الخصوم لا يعني إطلاقاً التخلي عن الحلفاء، بل انّ هذا الانفتاح سيؤدي إلى التمسّك بهم»، لافتاً الى انه «يتفهّم موقف جعجع، ولكن السؤال يبقى عن البديل، حيث لا يجوز ترك البلد في ظل الفراغ الرئاسي المفتوح الذي ينذر بتداعيات خطيرة على البلد».

واعتبر المرجع «أنّ الفراغ الرئاسي برهن على أهمية موقع رئاسة الجمهورية في المعادلة الوطنية والذي تفوق أهميته كل المواقع الأخرى»، مُشدّداً على «ضرورة ملء الفراغ من أجل إعادة تفعيل المؤسسات الدستورية»، وحمّل الأقطاب الموارنة الأربعة «مسؤولية إيصال هذا الاستحقاق إلى الحائط المسدود من خلال مسايرة طرح رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون بأنّ الأقوى يجب أن يكون رئيساً للجمهورية، هذا الطرح الذي رأيناه مع ستة رؤساء جمهورية انتهت عهودهم إلى شبه كوارث وطنية، ولكن من دون أن نقلّل من مسؤولية «حزب الله» وطهران في التعطيل الرئاسي».

وفي موضوع «المبادرة الرئاسية» التي طرحها الحريري، قال المرجع نفسه امام زوّاره انه «لا يمكن الكلام عن مبادرة، بل عن أفكار وتواصل، وانّ الأفكار لم ترتق بعد إلى مستوى مبادرة»، ولفت الى أنّ رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية «لم يقم بأي خطوة قبل التنسيق مع حزب الله»، وأكد «أنّ الحزب وإيران أيّدا المبادرة في بداية الأمر قبل أن يتراجعا أو يعلّقا تأييدهما في منتصف الطريق»، عازياً الأسباب الى «اعتبارات قد تكون من طبيعة إقليمية أو محلية تتصِل بعون».

وأشار المرجع الى «أنّ المبادرة هي محلية بامتياز، وتمّ تسويقها لدى دوائر القرار، بمعنى انها لم تولد في الخارج، بل هي أفكار محلية في البداية استجلبَت لاحقاً دعماً خارجياً»، وأكد أنّ الرياض وطهران «في صورة هذه الأفكار ومن الداعمين لها قبل أن تتراجع طهران».

وقال: «على رغم التمايزات في المواقف، إلّا أنّ القرار داخل تيار «المستقبل» هو واحد، ولا يوجد أجنحة ولا من يحزنون، وأنّ الشخص الوحيد المرشح لرئاسة الحكومة المقبلة هو الرئيس سعد الحريري».

ونفى «أي تفاهم على مقايضات من قبيل رئاسة فرنجية مقابل رئاسة الحريري لسِتّ سنوات، الأمر الذي يلغي دور مجلس النواب»، منوّهاً بموقف الحريري «عندما استقال من الحكومة لدى تقديم 11 وزيراً استقالتهم، في إشارة واضحة إلى الالتزام بمقتضى الدستور وروحيته».

وفي موقف لافت، نفى المرجع نفسه الكلام عن «سلة تفاهمات»، وقال: «إنّ المطروح هو انتخاب رئيس للجمهورية، وبعد هذا الانتخاب يُصار إلى تكليف رئيس الحكومة الذي يعكس التوازن القائم، ويفتح الباب أمام البحث في قانون الانتخاب، خصوصاً أنّ أي عهد جديد رئاسي وحكومي لن يكونا في وارد التمديد مجدداً، بل إجراء الانتخابات النيابية».

وتوقع المرجع «ان تستكمل الاتصالات والمساعي بعد الأعياد»، وقال: «إنّ الأساس في ما قام به الحريري انه حرّك الملف الرئاسي الذي كان قد دخلَ في سبات عميق»، وشدد على «ضرورة انتخاب رئيس في معزل عن الاسم، لأنّ استمرار الفراغ جريمة في حق لبنان، وانّ الخلفية وراء تحريك هذا الملف هي محاولة تجنّب الأسوأ». وتحدّث عن اتصالات لإعادة تفعيل عمل الحكومة في معزل عمّا ستؤول إليه الانتخابات الرئاسية.

وفي موضوع اتفاق الزبداني، أشار المرجع إلى نقطتين: النقطة الأولى أنّ «حزب الله» لم يتمكن في نهاية المطاف من الحسم حسبما وعد، وبالتالي لجأ إلى التفاوض، وأنّ رئيس الحكومة وجميع الوزراء المعنيين كانوا على علم بالاتفاق وتفاصيله والذي تمّ برعاية دولية».

«الحزب» في بكركي

في هذا الوقت، جدّد «حزب الله» التزامه مع عون، وقال رئيس المجلس السياسي للحزب السيد إبراهيم أمين السيد بعد زيارته بكركي أمس على رأس وفد من الحزب لتهنئة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بالأعياد «انّ هذه المبادرة التي تُسمّى مبادرة، ليست فقط مسألة مبدئيّة وإنّما تحمل قضايا تفصيليّة أو بنوداً تفصيليّة». واضاف: «بالنّسبة إلينا السياسة هي أخلاق وليست كذباً ومناورات.

وبالتّالي، التزمنا مع الجنرال ميشال عون في ترشيحه للرّئاسة، ولا نستطيع أن نتحلّل أمام أيّ معطيات جديدة أو أمام أيّ مفرق سياسي جديد، وأن نتخلّى عن التزامنا. وهذا الإلتزام هو التزام أخلاقيّ يتضمّن شرطين، الشرط الأوّل هو أن يكون الإلتزام اختيارياً، فنحن لم يُلزمنا أحد أن نلتزم مع عون.

والشرط الثاني هو أننا عندما نلتزم لا يُفهم من هذا الإلتزام أنّنا نُمنّن الجنرال عون به، هذا الأمر بالنسبة الينا معيب، ولذلك فإنّ الطروحات الموجودة والمبادرات الموجودة، لتؤدّي دورها أو تصِل إلى نتائجها المقبولة، أو كما يُقال نتائجها السعيدة، فهذا الأمر يجب أن يتمّ من خلال قبول الجنرال عون بهذا الموضوع».

ولفت السيد إلى «أنّنا لسنا الطرف الذي عليه أن يبادر ليُزيل هذه العَقَبة أمام هذه المبادرة أو هذه التّسوية أو هذا الطرح أو هذه الفكرة. لسنا معنيّين بهذا الأمر ولا نقبل أصلاً أن تقوم الأطراف كلها بأدوارها في ما يخصّ التسوية الرئاسية، ثمّ يكون دورنا الوحيد أن نُقنع ميشال عون بالتنحّي عن ترشيحه. هذا الأمر لم يكن ولن يكون.

هذه الرؤية يتفهّمها صاحب الغبطة، ولا يطلب منّا أن نتحلّل من التزامنا وأخلاقنا، ولكنّه يطلب أن يكون لنا دور، في اعتبار أنّ لـ»حزب الله» دوراً وتضحيات، وعلى هذه التّضحيات أن تكون في سبيل حماية لبنان وحفظه وقوته، وعلى الأقل أن نلعب دوراً في وصول الأمور إلى النتائج في انتخاب رئيس للجمهوريّة. وبالتّأكيد، لن يكون هذا الدّور في إقناع الجنرال عون بأن يتخلّى عن ترشيحه للرئاسة».

وعن اعتبار البعض أنّ «حزب الله» لا يريد إجراء الإستحقاق الرئاسي، قال السيد: «هذه من الإستنتاجات التي يتسلّى بها السياسيون والتي لا قيمة لها، فليجرّبوا، وليصلوا مع الجنرال عون الى موقف يقول فيه إنه لا يريد الإستمرار في ترشّحه، عندها فليختبرونا إذا كنّا نريد أن يكون هناك رئيس أم لا».

ريفي

وكانت بكركي غصّت أمس بالمهنئين بالاعياد، وحضر الاستحقاق الرئاسي في تصريحات زوّارها ومواقفهم بعد لقائهم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي. وفي هذا السياق، اكد وزير العدل أشرف ريفي «ضرورة إجراء الإستحقاق الرّئاسي في معزل عن الإسم، وليتّفق اللبنانيون على أيّ إسم يجدونه مناسباً والجميع يباركونه».

من جهته، شدد النائب أحمد فتفت على أنّ «الرئاسة استحقاق دستوري يجب فصله عن كلّ الملفات، لأنّ البلد يحتاج إلى رئيس، وإذا حصل اعتراض على اسم مرشّح، فهذا ليس بمشكلة، ولكنّ المشكلة تكمن في أن لا يكون هناك إسم بديل».

امّا حاكم مصرف لبنان رياض سلامة فطمأن، بعد لقائه الراعي، الى الإستقرار النقدي في لبنان، وأشار الى أنّ «وضع الليرة اللبنانية ممتاز، والودائع ازدادت بنسبة 4 في المئة والتّحاويل لا تزال مستمرّة. واستناداً إلى ذلك، يمكننا القول إنّنا قادرون على تأمين الإستقرار النّقدي وثبات الليرة».

جعجع

في غضون ذلك، شدد جعجع على وجوب التمسّك بـ 14 آذار حتى النهاية، معتبراً انها «ضرورة وطنية».
وقال جعجع: «كثُر الكلام أخيراً عن رئاسة الجمهورية ولكنّه لم يؤدِّ الى أي نتيجة، وبات هناك ضرورة لحصول انتخابات رئاسية وإنهاء الفراغ، وأقصى ما أعِدكم به أن تبقى أهدافنا هي التي تُدير معركتنا في استمرار لاختيار أفضل حلّ لنصِل الى انتخابات رئاسية، اذ يمكن أن يكون مشروع البعض هو عدم حصول انتخابات رئاسية.

لذا، يجب أن نبقى متيقظين لكل جوانب الأزمة لنعرف ماذا نختار، والأكيد أننا لا نَلهث راكضين وراء أيّ مركز ولا تُغرينا مغريات ولا يُخيفنا أحد، جلّ ما نريده هو إنهاء الفراغ».

جنبلاط

من جهته، غادر رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط أمس الى القاهرة يرافقه النائب هنري حلو وبعض افراد العائلة، في زيارة وصفتها مصادر الحزب لـ«الجمهورية» بأنها «لا تحتمل أي أبعاد سياسية وقد تمتد حتى نهاية الأسبوع الجاري، من دون الإشارة الى اي تفاصيل».

وقالت هذه المصادر: «انّ المشاورات مع القيادة المصرية مفتوحة دائماً ودورياً تقريباً، وانّ الهدف منها البقاء على تواصل مع العالم العربي لمعرفة آخر ما يدبّر لنا في ظل المحنة السورية وما يجري في اليمن والمساعي المبذولة للخروج من مسلسل الأزمات العربية الدموية منها والسياسية على حد سواء».

وكان جنبلاط أملَ، قبَيل سفره، في أن تشهد السنة المقبلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية «بما يعيد الإنتظام لعمل المؤسسات الدستورية ويفسح المجال أمام الإلتفات للقضايا التي تهمّ المواطنين اللبنانيين».

الهبة السعودية

وعلى خطّ الهبة السعودية، وبعد إعلان أكثر من مسؤول عن انطلاقها، أكد مصدر عسكري رفيع لـ»الجمهورية» أنّ «الجيش اللبناني ينتظر ما سيؤول إليه مسار هذه الهبة، وهو لن يعلّق أو يعلن اي شيء قبل تسلُّم الأسلحة، خصوصاً أنه قدّم لائحة بالاسلحة التي يحتاجها الى السلطات الفرنسيّة منذ مدّة».

من جهة ثانية، أكّد المصدر العسكري أنّ «واشنطن مستمرّة في دعمها وتسليحها للجيش، وانّ الأسلحة الأميركية ما زالت تصل الى مستودعاته وفقاً لحاجاته، ولم تنقطع يوماً، إضافة الى عمل البريطانيين على تجهيز أفواج الحدود البريّة، والمساعدات التي تصل من دول عدّة».

الى ذلك، أوضح المصدر انّ العملية التي نفّذها الجيش في «الدار الواسعة» في البقاع الشمالي «أتت في إطار ملاحقة مرتكبي جريمة بتدعي، وتدلّ الى أنّ الجيش لن يسمح لأوكار الخطف والجريمة والعصابات بأن تنمو وتكبر، وسيلاحقها للقضاء عليها»، مشدّداً على أنّ «العمليات في البقاع الشمالي مستمرّة على الصعد كافة، لأنّ الأوضاع الامنية في تلك المنطقة وصلت الى حدّ غير مسموح به، وعانى منها الجميع في دير الاحمر والجوار وبعلبك»، لافتاً الى انّ «أحداً لن يستطيع الوقوف في وجه فَرض الأمن هناك أو يحاول الضغط وفَرض أمر واقع، والدليل انّ بعض ذوي المطلوبين عَمد الى قطع الطرق في حي الشراونة فسارعَ الجيش الى فتحها».