منذ إتمام صفقة الإفراج عن العسكريين الأسرى لدى «جبهة النصرة» والعيون شاخصة نحو مصير الجنود المحتجزين لدى «تنظيم الدولة الإسلامية»، مع ما يعنيه هذا الوضع من صعوبات في استراتيجية وجغرافية التفاوض والمخاطر المرافقة لفتح أي ثغرة في جدار الغموض والالتباس الذي يسود مصير العسكريين لدى التنظيم وحقيقة المرحلة التي يقف أمامها هذا الملف من أهالٍ ومعنيين في الدولة اللبنانية.
لا بد من التشديد على أهمية السابقة التي شكّلتها صفقة التبادل مع «جبهة النصرة»، حيث إنّها كسرت حواجز المنع التي فرضها «حزب الله» على دولتنا واضطر إلى التخلي عنها، نظرا لحاجاتها الميدانية، التي تقتضي إحداث تهدئة على جبهة القلمون، تتيح للحزب التخفيف من وجوده العسكري لصالح التركيز على أمن الضاحية الجنوبية إثر انفجار برج البراجنة، والتقليل من خسائره على الجبهات السورية.
فقاعدة التبادل هي التي فتحت الباب أمام التفاوض، بغض النظر عن التفاصيل الدقيقة للعملية التفاوضية، وما تخلّلها من شدٍّ وجذب.
وصفقة التبادل مع «جبهة النصرة» أتاحت للناشطين المدنيين والحقوقيين القيام بدورهم الإيجابي في تحريك الملف وفكفكة العقد وتليين المواقف وإيجاد المخارج في اللحظات الحرجة، وهذا ما قام به المحامي نبيل الحلبي مع مجموعة عملت وراء الكواليس للوصول بالقضية إلى خواتيمها المرجوة.
هذا الواقع دفع اللواء عباس إبراهيم إلى تشجيع الناشطين الذين يجدون في أنفسهم القدرة على المساعدة في الوصول إلى نقطة التقاط لخيط التفاوض على التحرك، فبرزت في الإعلام أنباء عن اجتهادات وتحرّكات وعن شروط بعضها تحدّث عن اشتراط تنظيم «الدولة الإسلامية» إحداث قناة «تفاوض رسمي من دولة إلى دولة»، والبعض الآخر أدخل الشيخ أحمد الأسير كأحد العناصر الرئيسة لأي صفقة تبادل مع تنظيم الدولة، وتكاثر الحديث عن قنوات مع والي الشام في التنظيم، وانتظار رسائل تتيح التفاؤل بإمكانية الوصول إلى ثمرة لهذه الجهود.
وفي خلاصة للمشهد، يمكن القول إنّ ملف العسكريين لدى تنظيم «الدولة الاسلامية» يقف أمام الواقع الآتي:
ــ غموض شديد حول مصير العسكريين الأسرى، يبرز منه جانب إيجابي يتمثّل في أنّ «الخبر السيء يصل سريعا»، وأن خبرا سيئا لم يصل الأهالي ولم يصدر، ويمكن التفاؤل بهذا الجانب لأن التنظيم لا يخفي أفعاله، ولا يتردّد في كشف إجراءاته، وحتى الساعة لم يصدر عنه أي إشارة إلى أذى طاول العسكريين.
ــ أن الملف بات تحت السلطة المركزية لأمير تنظيم «الدولة الإسلامية» أبو بكر البغدادي، وبات يحتاج إلى مستوى مختلف من الوسطاء ومن السلوك الرسمي ومن الاستعداد للمرونة في التعاطي من أجل إنتاج عملية ناجحة للتبادل حتى آخر فصولها.
ومن الناحية الجغرافية، فإن المرجّح أن يكون العسكريون قد أصبحوا خارج منطقة القلمون السورية، ما يجعل السبيل الأسرع والأنجع توسيع الطريق أمام الوسطاء وتأمين الغطاء القانوني واللوجستي لهم حتى تنشأ القناة المطلوبة للتفاوض.
وفي هذا السياق، لا بد من التنبيه إلى خطورة الدور الذي يلعبه بعض الإعلام في التحريض على الجهود المبذولة، وضرورة إرساء القناعة بأهمية الجهود المبذولة باعتبارها عملا وطنيا لا يجب إخضاعه للحسابات السياسية والرهانات الخاطئة.
لقد أطلقنا يوم إتمام التبادل مع جبهة النصرة، عبر الإعلام نداءً من أجل فتح باب التفاوض بين تنظيم «الدولة الإسلامية» وبين الدولة اللبنانية، ونحن متفائلون بفرج قريب، يلزمه صبر وصمت ومشقة، لكننا أمام هدف نبيل يستحق الجهد والمثابرة والعناء.