يفكر كثيرون ان التسوية الرئاسية تحتاج الى اندفاعة جديدة في البلاد من اجل انعاشها، بعدما تأزمت الاوضاع واعلن العماد ميشال عون انه مستمر في الترشيح وبأن ترشيح الرئيس سعد الحريري للوزير سليمان فرنجية لا يعنيه وهو المرشح الاساسي في انتخابات رئاسة الجمهورية، ولن ينسحب منها، وما ان اعلن العماد ميشال عون هذا الموقف حتى تضامن معه حزب الله وقال ان مرشحه الاساسي هو العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية ولا يمكن ان يؤيد الا العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية طالما ان العماد ميشال عون لم ينسحب بكامل ارادته من معركة الرئاسة.
لكن الامور هي اعمق من ذلك، انها تحتاج الى اتفاق جذري لان المشكلة هي ليست فقط في التسوية الرئاسية، بل في عودة الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة، فالامور لم تستو بعد كي يعود الرئيس الحريري الى رئاسة الحكومة، والظروف لا تسمح له بالعودة الى رئاسة الحكومة، قبل اتخاذ مواقف وتراجعه عن اعلان مواقف اعلنها سابقا، وتحديده لسياسة واضحة في شأن الطائف، وبشأن الموقف من المقاومة، وبشأن العلاقة مع سوريا، وبشأن امور عديدة، وبالتالي فلا يمكن للرئيس سعد الحريري العودة الى رئاسة الحكومة طالما لم يعرب عن مواقف اتخذها واذا كان فرنجية وافقه على مواقفه فان حزب الله لا يوافق على عودة الرئيس سعد الحريري دون اتفاق متكامل وواضح، بدءا من سلاح المقاومة، وصولا الى القتال في سوريا، وصولا الى الوضع الداخلي الميثاقي وضرورة تغيير بعض النقاط في الطائف، لاعطاء رئيس الجمهورية بعض الصلاحيات دون مسّ جوهر اتفاق الطائف لكي لا تبقى هنالك طائفة منتصرة وطائفة معاقبة، ومحكوم عليها بالانعزال بالقوة، لان الطائف اراد ان يحاسب الرئيس امين الجميل على عهده، فجاء دستور الطائف ردا على الصلاحيات التي كان يتمتع بها الجميل واستعملها خطأ، لذلك هذا الامر لا ينطبق على كل الرؤساء، ومن هنا لا بد من بحث عميق والا فان اتفاق الوزير سليمان فرنجية مع الرئيس سعد الحريري في العودة الى رئاسة الحكومة هو امر لا يمر بسهولة، خصوصا ان الرئيس سعد الحريري مرتبط بالسعودية بشكل اعمى، ويقاتل ايران قتالا مستميتاً بينما حزب الله هو في مشكلة مع السعودية، لكنه لا يقاتلها بشكل مستميت، ولا يجعل ايران تقرر عنه موقفه من الرئاسة، فاذا كانت مبادرة السعودية ترشيح او مباركة ترشيح الوزير سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية فان ايران لا تتدخل في الشأن الرئاسي اللبناني وتترك الامر لحزب الله كي يقرر مع حليفه العماد ميشال عون، وبالتالي، لا بد من الجلوس بين الرئيس سعد الحريري والسيد حسن نصرالله، لبحث اتفاق رئاسة الجمهورية في العمق، لكن السيد حسن نصرالله ليس مستعدا للجلوس مع الرئيس سعد الحريري لان السيد حسن نصرالله يؤيد العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، بينما الرئيس سعد الحريري طرح مبادرة تأييد الوزير سليمان فرنجية، وهنا الخلاف بينهما ولذلك فالاجتماع بين الوزير فرنجية ونصرالله سيكون من دون نتيجة كما ان السيد حسن نصرالله بعد اغتيال القائد الشهيد سمير القنطار يركز على الانتقام وعلى الثأر من العدو الاسرائيلي لاغتياله القائد الشهيد سمير القنطار، وقد تندلع في اي لحظة اشتباكات في مزارع شبعا، او في منطقة حدودية مع فلسطين المحتلة، تؤدّي الى اشتباكات موسعة وربما الى حرب، فمن يدري ما الذي سيحصل؟ لان السيد حسن نصرالله قال ان الرد على استشهاد الشهيد سمير القنطار لا مجال حاصل، والقرار اتخذ وهو في ايدي الامناء على دم الشهداء، ولذلك فان الجميع ينتظر عملية عسكرية ضد العدو الاسرائيلي، ولا احد يعرف كيف ستكون العملية العسكرية التي سيقوم بها حزب الله وما هي ردة فعل العدو، وهل تنحصر على خط الحدود مع فلسطين المحتلة ام تتوسع مثلما توسعت حرب 2006 في تموز. لذلك فان التسوية الرئاسية غير مطروحة الان، وهي بحاجة الى انعاش لكن الرئيس سعد الحريري اصبح مجمّداً وكل خطوة منه ستزيد التأزم في التسوية المطروحة.
اما الوزير سليمان فرنجية فقد لازم الصمت بعد مقابلته التلفزيونية وينتظر معه جميع اللبنانيين ان يقوم الرئيس سعد الحريري بالاعلان رسميا عن ترشيحه للوزير سليمان فرنجية للرئاسة، لان الخطة في الاساس كانت ان يقوم الرئيس سعد الحريري بترشيح الوزير سليمان فرنجية. ثم جاء اعلان ترشيح للرئاسة من الوزير سليمان فرنجية، وكان من المنتظر ان يلاقيه الرئيس سعد الحريري في منتصف الطريق للوزير سليمان فرنجية، ويصدر عنه بيان او يعلن في حلقة تلفزيونية تأييده ومبادرته لترشيح الوزير سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، لكن حتى الان لم يفعل ذلك الرئيس سعد الحريري وبقيَ الاعلان عن ترشيح الوزير سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية مقتصرا فقط على فرنجية في حلقته التلفزيونية.
والوزير سليمان فرنجية يتكل على فرنسا كي تلعب دورا مع ايران كما ان ملك السعودية سيطلب من الرئيس هولاند رئيس فرنسا التدخل مع ايران من اجل دعم تسوية ترشيح الوزير سليمان فرنجية للرئاسة، وهذا الامر غير وارد عند ايران لان ايران ستقول ان المسألة عند حزب الله وهي لا تقرر عنه. وبالتالي نعود الى نقطة البداية، ترشيح العماد ميشال عون المدعوم من حزب الله، والغير قابل لاحد ان يجتاز هذا الترشيح حتى لو تم تأمين النصاب.
دخلت التسوية الرئاسية في مرحلة الصمت الكبيرة من جهة النائب سليمان فرنجية والرئيس سعد الحريري بإنتظار تحريكها مجددا في مطلع العام المقبل، فالمواقف المتشنجة من قبل بعض فرقاء 8 و14 آذار أدت إلى تأجيل بحث المبادرة، لكي يكون العام المقبل في أيامه الأولى حاسما، فإما نشهد إنتخاب رئيس للجمهورية وإما يستمر الفراغ في السدة الاولى لاشهر إضافية.
مصدر سياسي مطلع على الملف أكد أن الحريري لم يعلن بعد موت المبادرة وهو يبحث جديا سبل إنعاشها، ولكن إنعاشها يحتاج إلى دفعة من حزب الله، مشيرا إلى انه في ظل عدم توفر هذه الدفعة من الحزب فإن الحريري لن يدخل المبادرة في مزيد من التأزم.
ولفت المصدر السياسي إلى أن حزب الله لن يتخلى عن ترشيحه للعماد ميشال عون مهما كانت الظروف، إلا في حال تنازل عون شخصيا وبإرادة كاملة عن الرئاسة، مشددا على ان التواصل السعودي - الإيراني لن يحقق اي خرق لأن حزب الله يعطي كلمة الفصل في الملف الرئاسي وبما ان حزب الله لا يريد اليوم سوى عون فإن المسألة ستبقى عالقة.
وراى المصدر أنه بعيدا عن حزب الله فالأجواء السعودية - الإيرانية ليست مهيئة بعد للتواصل في الملف اللبناني لأن ملفات أكبر ستطغى على التواصل وهي ملفات سوريا واليمن والعراق، كاشفا أن الدول الاقليمية المؤثرة غير السعودية لم تعط أية إشارات نحو انتخاب فرنجية لأنها تعلم ان وصول فرنجية يبقى رهن التطورات السياسية اللبنانية فقط لا غير، لأن مبادرة الحريري التي توافق عليها السعودية لم تؤد إلى اية نتائج ملموسة بعد.
ذلك ان عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان وترؤسه الحكومة يعني ان رئيس اكبر كتلة سنية ترأس الحكومة، وبالتالي فهذا المبدأ ينطبق على العماد عون الذي يرأس اكبر كتلة مسيحية وبالتالي يجب ان يكون رئيسا للجمهورية، ولا يمكن ان تمر التسوية الا من خلال هذا المبدأ والا فان الرئيس سعد الحريري لن يعود الى رئاسة الحكومة ابدا.