بعيداً من السياسة اللبنانية التي تراوح مكانها منذ زمن، فتتكرر المواقف المنقسمة بين فريقين متنازعين هما فريقا 14 و 8 آذار اللذان عادا الى الالتفاف بعد مرحلة من ضياع التوازن، يتركز الاهتمام على الوضع المصرفي العصب الاساسي للحياة الاقتصادية والمالية في لبنان.
وعلمت "النهار" ان وفداً من جمعية مصارف لبنان برئاسة رئيس الجمعية جوزف طربيه سيزور واشنطن ونيويورك في الأسبوع الأخير من كانون الثاني المقبل. وهذه الزيارة التي كانت مقررة سابقاً وتأجلت الى مطلع السنة الجديدة تترافق مع صدور القانون الأميركي الذي فرض عقوبات على "حزب الله"، ستتيح للوفد ان يشرح وضع القطاع المصرفي في لبنان ويجدد التزام المصارف اللبنانية القوانين والمعايير الدولية. وقالت مصادر مصرفية مشاركة في الوفد إن لا مشكلة لدى القطاع مع السلطات الأميركية التي تتابع عن كثب التزام لبنان القوانين الدولية وتقيده بها، ولكن مع صدور القانون الأخير لا بد من اعادة تأكيد هذا الالتزام. وكشفت ان اللقاءات في واشنطن ستشمل المسؤولين في وزارة الخزانة الأميركية والخارجية فضلا عن عدد من أعضاء الكونغرس الذين شاركوا في وضع القانون. أما في نيويورك فستكون للوفد لقاءات مع ممثلي المصارف المراسلة.
وأكدت مصادر مصرفية ان الزيارة ليست رداً على الرسالة القاسية التي وجهها الى المصارف الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله بعدم الانصياع للإرادة الأميركية، لكنها تعتبرها تحركاً استباقياً منعاً لأي ارتدادات سلبية عليها، ذلك أن المصارف التي تخضع أساسا لقانون النقد والتسليف وللسلطة النقدية المستقلة التي يمثلها مصرف لبنان لا يمكنها الخروج عن القوانين الدولية التي تخرجها من النظام المالي العالمي.
ورأت أوساط مصرفية ان "العقوبات التي فرضها الكونغرس الاميركي بجناحيه الديموقراطي والجمهوري على "حزب الله" ليست موضع استغراب، ولم تفاجئ المراقبين الذين لاحظوا ان فك التشنج الاميركي – الايراني اثر الاتفاق النووي لم تصل مفاعيله الى "الحزب" الذي بقي الموقف الأميركي منه على حاله، حتى انه ازداد تصلباً، اذ يبدو ان واشنطن قررت اللجوء الى خيار التضييق على شرايينه المالية كوسيلة ستفضي حتما الى اضعافه. واذا كان القرار الصادر عن الكونغرس اخيراً لتجفيف منابع تمويل الحزب يستهدف المصارف والمؤسسات المالية التي تقوم بمعاملات معه أو تبيّض أموالاً لمصلحته، فإن خبراء اقتصاديين أكدوا ضرورة استجابة المصارف اللبنانية له لمصلحة لبنان ومصارفه وحتى احزابه.
وفي هذا الاطار علمت "النهار" ان الحزب لم يسدّد المتوجبات المفروضة عليه لشهر تشرين الثاني كاملة، بل دفعات على الحساب، وكذا الحال في آخر كانون الاول الجاري، واعداً بالتعويض مطلع السنة الجديدة. واذ يتكتم الحزب على الموضوع، تحدثت مصادر عن معاناته ضائقة مالية وخصوصاً مع تراجع المال الآتي من العراق، وازدياد الأعباء، واستنفاد موازنة 2015، لكنه حتماً سيدفع كل المتأخرات مطلع 2016.
من جهة أخرى، علمت "النهار" ان تجاراً لبنانيين كباراً في نيجيريا بعثوا برسالة استياء من كلام السيد نصرالله عن الأوضاع في نيجيريا، بعدما تلقّوا بدورهم اعتراضاً من المسؤولين هناك، وتمنّوا عدم التدخل في شؤون البلاد لان ذلك يلحق ضرراً بالغاً بهم وبمصالحهم، خصوصاً ان أكثرهم من الطائفة الشيعية.

بكركي والرئاسة
أما سياسياً، فلا جديد في الاتصالات الرئاسية أو الحكومية وسينسحب هذا المشهد على العطلة التي تمتد الى رأس السنة. وسجل أمس حدثان أولهما حضور رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع الذكرى الثانية لاغتيال الوزير محمد شطح في تأكيد لاستعادة فريق 14 آذار الروح، وهو ما أكده الرئيس فؤاد السنيورة. وثانيهما تأكيد السيد حسن نصرالله الرد على اغتيال سمير القنطار "أياً تكن التبعات". وهذه العبارة التي تكررت ثلاث مرات في كلمته توحي بأن ثمة عملية كبيرة تحضر، وربما كانت تبعاتها كبيرة، في استعادة لمشهد حرب تموز 2006.
واسترعى الانتباه تراجع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عن دعمه ما سماه "المبادرة الجديدة والجدية" قبل ان يعيد تصويب الامور بحصر تأييده للمبادرة دون الاسماء. علما ان محطة "او تي في" التابعة لـ"التيار الوطني الحر" شنت عليه هجوماً لاذعاً مساء الجمعة واتهمته بـ"الالزهايمر الروحي".
وعلمت "النهار" من زوار الراعي انه يؤمن ان الاستحقاق الرئاسي يجب أن يتم وأن الطرح الذي جاء من الرئيس سعد الحريري يجب أن يؤخذ على محمل الجد، فلا تطرح حوله الاسئلة إنطلاقاً من صاحب المبادرة. ولفت الى ان بكركي قبلت المبادرة كديناميكية وليس كمرشح الذي يعود أمره الى القيادات السياسية. وشدد على إجراء الانتخابات الرئاسية كاستحقاق دستوري وعدم إنزلاقها الى تسويات تطاول رئاسة الوزراء وقانون الانتخاب والمحكمة الدولية. وأوضح هؤلاء الزوار ان البطريرك أبلغ وفد "حزب الله"، الذي جاءه اول من امس مهنئاً بالميلاد، أنه لا يقبل أن يكون انتخاب رئيس الجمهورية ضمن إطار تسوية شاملة وسلة متكاملة بل يجب أن ينتخب الرئيس ومن ثم يجري البحث في كل هذه الامور لاحقاً. وخلص إلى أن من لم ينجح في وضع قانون للانتخابات النيابية منذ التسعينات من القرن الماضي لن ينجح في هذه المهمة خلال تسعة أيام.
أما رئيس مجلس النواب نبيه بري فلا يزال مصمماً على ضرورة تفعيل الحكومة. وردد أمام زواره ان هذا "الموضوع سيكون محور الاهتمام الاول، وستبقى الاولوية لانتخاب رئيس للجمهورية. واذا تم هذا الاستحقاق يحل الكثير من المشكلات والعوائق".
ورداً على سؤال، قال بري إن "مبادرة ترشيح الرئيس سعد الحريري للنائب سليمان فرنجيه لرئاسة الجمهورية لا تزال حية، وباتت المشكلة شأناً داخلياً والخارج لا يعارضها وتلقى الدعم المطلوب من السعودية. والمطلوب من جميع القوى معالجة هذا الملف والاسراع في انتخاب رئيس للبلاد".