دخلت المعركة المفتوحة بين «حزب الله» واسرائيل في فصل جديد، مع خطاب الأمين لعام للحزب السيد حسن نصرالله أمس، والذي جزم فيه بأن الرد على اغتيال الشهيد سمير القنطار قادم لا محالة، ايا تكن التبعات، وان ساحته الجغرافية مفتوحة، ما دفع قوات الاحتلال الى الاختباء على طول الحدود مع لبنان، في حالة تشبه «منع التجول»، بينما يواصل القلق تمدده في داخل الكيان الاسرائيلي، يوماً بعد يوم.
أما المواجهة التي يخوضها «حزب الله» في سوريا الى جانب الجيش النظامي فستكون اليوم على موعد مع تطور بارز، من شأنه ان يطوي ملف معركة الزبداني، إذا سلك الاتفاق بين الجيش السوري والحزب من جهة، وفصائل في المعارضة المسلحة من جهة أخرى، طريقه الى التنفيذ اليوم، كما هو مخطط له، برعاية الأمم المتحدة.
وعلم ان الاتفاق يقضي بأن يغادر مسلحو الزبداني وعائلاتهم بسيارات الصليب الاحمر الدولي الى تركيا عبر مطار رفيق الحريري من خلال ممر آمن، على ان تُنقل في الوقت ذاته عائلات بلدتي كفريا والفوعة الشيعيتين المحاصرتين والواقعتين في محافظة ادلب نحو الحدود التركية، لكي يتجهوا جواً الى لبنان، حيث يفترض أن يتسلمهم الصليب الاحمر والامم المتحدة ليتم نقلهم الى سوريا.
وأبلغت مصادر لبنانية واسعة الاطلاع «السفير» ان الاتفاق سينفذ في كل مراحله برعاية الامم المتحدة، مشيرة الى ان لبنان سيكون ممراً في الاتجاهين، سواء للمسلحين وعائلاتهم المغادرين الى تركيا، أو لعائلات بلدتي الفوعة وكفريا التي ستتوجه الى الاراضي السورية الخاضعة لسيطرة الجيش السوري وحلفائه.
وأوضحت المصادر ان «داعش» و «النصرة» لا علاقة لهما بهذا الاتفاق، مشيرة الى أن مسلحي الزبداني ينتمون أساسا الى «جيش الفتح» وفصائل مسلحة أخرى.
وأكدت ان الاتفاق دقيق وتنفيذه يجب أن يتم بعناية شديدة، لان أي خلل طارئ قد يعرقله، لافتة الانتباه الى ان الزبداني ستصبح بعد تطبيقه منطقة خالية من المسلحين السوريين، مع ما يشكله ذلك من مردود أمني إيجابي على دمشق والمناطق اللبنانية المحاذية للحدود السورية.
رسائل «السيد»
على المقلب الآخر من الصراع، فإن العدو الاسرائيلي الذي أمضى أياماً من «الشد العصبي» بعد الخطاب الذي ألقاه السيد نصرالله في أعقاب استشهاد المناضل سمير القنطار، سيكون على الأرجح أمام نوبة قلق مضاعفة مرات عدة، بعد خطاب أمس في ذكرى الاسبوع، والذي ضمّنه نصرالله رسائل عابرة للحدود مع فلسطين المحتلة، لا تحتمل سوى تفسير واحد، وهو ان دم عميد الأسرى لن يذهب هدرا، بل سيعود الى فلسطين.. متفجرا.
في الرسالة الاولى، جزم نصرالله بأن الرد قادم لا محالة. كررها مرتين لتأكيد المؤكد. بهذا المعنى لم يعد هناك مجال لأي اجتهاد في تقدير إمكانية الرد من عدمها، لدى الاوساط السياسية والعسكرية الاسرائيلية التي توهم بعضها أن الحزب لن يبادر الى الثأر في هذا التوقيت، فأتى كلام «السيد» ليضع مبدأ الرد خلف ظهره.. وخارج النقاش.
في الرسالة الثانية، تحرر نصرالله من قيود الجغرافيا الطبيعية والسياسية، جاعلا مساحة الانتقام الحتمي مفتوحة، على امتداد انتشار الأهداف الاسرائيلية من الحدود اللبنانية - السورية مرورا بالداخل الفلسطيني المحتل وصولا الى الخارج، وكأنه يقول لإسرائيل إن اغتيال القنطار «اللبناني» في جرمانا «السورية» يمنح الحزب حق الرد في المكان الذي يراه مناسبا، بمعزل عن هويته. هي معادلة فضفاضة، من شأنها إنهاك العدو واستنزاف أعصابه أكثر فأكثر، كونها تتطلب منه جهوزية فائقة ومتواصلة، للإحاطة الامنية والاستخباراتية بكل الاهداف المحتملة، في كل الأوقات والأماكن، وهذه ستكون مهمة صعبة ومتعبة مع مرور الساعات أو الأيام.
في الرسالة الثالثة، شدد نصرالله على ان المقاومة لن تتأثر بأي تهويل وتهديد، وهي لا تستطيع التسامح مع سفك دماء المجاهدين من قبل الصهاينة، أيا تكن التبعات والتهديدات. هنا، يوحي نصرالله أن المقاومة ستمضي الى الرد على اغتيال القنطار من دون أي تردد، ومهما كانت الكلفة، حتى لو تدحرج الموقف الى مواجهة واسعة أو شاملة، لان الامر من منظار الحزب لا يتعلق فقط بالثأر للشهيد، وإنما كذلك بمنع تعديل واحدة من أهم قواعد الاشتباك مع العدو، والمتمثلة في توازن الردع الذي لو اختل أو سقط لاستسهلت اسرائيل لاحقا استهداف أي من قيادات المقاومة وكوادرها.
في الرسالة الرابعة، كشف نصرالله عن ان مسألة الرد أصبحت في يد «المؤتمنين الحقيقيين على دماء الشهداء ومن نصون بهم الأرض والعرض»، ملمحا بذلك الى ان عملية الثأر انتقلت من حيز اتخاذ القرار الى حيز المباشرة في تنفيذه، وبالتالي فإن مسار هذه العملية أصبح في عهدة الجهات المعنية في المقاومة، والمولجة بالتخطيط العسكري والتطبيق الميداني، وبالتالي لم يبق أمام اسرائيل ما تفعله سوى أن تتساءل: من أين يمكن ان تأتي الضربة، وكيف ستكون؟
في الرسالة الخامسة، أبرز نصرالله أهمية تنشيط المقاومة في الجولان وتحسس اسرائيل الزائد حيال دور القنطار على هذا الصعيد، الى حد أنها تجاوزت كل ضوابط قواعد الاشتباك لقتله والاخوان الذين كانوا معه عبر قصف جرمانا في ريف دمشق، معتبرة أن الموضوع على درجة عالية من الأهمية ويستحق المغامرة.
وسعى «السيد» الى إعادة تفعيل حضور القضية الفلسطينية ومحوريتها في وجدان العرب والمسلمين، بعدما كاد يحجبها غبار الحروب المستجدة والاستقطاب المذهبي الحاد. وكان لافتا للانتباه قوله ان الذين يقاتِلون ويقاتَلون الآن في سوريا والعراق واليمن، لو قمنا فقط بجمعهم، مع الإمكانات والسلاح والعديد والأموال التي يصرفونها، لكانوا وحدهم يكفون لإزالة إسرائيل من الوجود.
وكان نصرالله قد قال في كلمته عبر الشاشة في ذكرى مرور اسبوع على استشهاد القنطار ان «الرد على الاغتيال قادم لا محالة، وانظروا، عند الحدود من الناقورة إلى مزارع شبعا فجبل الشيخ الى آخر موقع إسرائيلي في الجولان المحتل، أين هم جنود وضباط وآليات العدو الإسرائيلي؟ أليسوا كالفئران أو كالجرذان المختبئة في جحورها؟ هذا الذي يهدد ويرعد ويتوعد، وأخرجوا لنا بالأمس وزير الحرب الإسرائيلي، ليقوم بإطلاق خطاب مباشر موجّه لي أنا. أين جنودهم وضباطهم وآلياتهم؟ إذا كنتم تستهينون بسمير القنطار فلماذا يخيفكم دمه إلى هذا الحد؟ إذا كنتم تستهينون بمقاومة سمير القنطار فلماذا يخيفكم تهديدها إلى هذا الحد؟ إذا كانت قراءتكم للمقاومة، وانشغالاتها وأولوياتها قراءة صحيحة، فلماذا أنتم مرتعبون إلى هذا الحد؟».
وأضاف: من واجب الإسرائيليين ان يقلقوا. هم قلقون الآن عند الحدود، وقلقون في الداخل وفي الخارج، ويجب أن يقلقوا عند الحدود، وفي الداخل، وفي الخارج. ان التهويل علينا كما حصل في الأيام القليلة الماضية، لن يجدي نفعاً، وإذا كان هناك أحد قد أخطأ بالتقدير أو يخطئ بالتقدير فهو الإسرائيلي وليس نحن.
وتابع: سأكون واضحاً جداً في الجواب على كل ما قاله الإسرائيليون خلال هذه الأيام من تهويل ومن تهديد. هذا لن يمسّ بإرادتنا وتصميمنا على العمل، أياً تكن التبعات. أقول للصديق وللعدو، أياً تكن التبعات والتهديدات التي طبعاً لا نخافها، نحن لا نستطيع ولا يمكن أن نتسامح مع سفك دماء مجاهدينا وإخواننا من قبل الصهاينة في أي مكان في هذا العالم.
وأكد ان «قرارنا حاسم وقاطع منذ الأيام الأولى، والمسألة أصبحت في يد المؤتمنين الحقيقيين على دماء الشهداء ومن نصون بهم الأرض والعرض، والباقي يأتي»، مشددا على ان «هذه معركة مفتوحة أساساً مع العدو، وهي لم تغلق في يوم من الأيام ولن تغلق».
هجوم السنيورة
وبعد دقائق من كلمة نصرالله، شن رئيس «كتلة المستقبل» فؤاد السنيورة خلال حفل إحياء ذكرى استشهاد الوزير محمد شطح، هجوما عنيفا على «حزب الله»، قائلا: إننا لم نوافق على انزلاق وتورط «حزب الله» في الأتون السوري، ولن نوافق اليومَ على ذلك، حيث يتثبت يوماً بعد آخر أنه ليس هكذا يجري التصدي للإرهاب الذي يشكل مع أنظمة الاستبداد وجهين لعملة واحدة، وليس هكذا يمكن أن نحمي لبنان من الإرهاب.
واعتبر أن «المشكلة الكارثية هي أن أولئك الشباب يعودون في نعوش الى وطنهم وأهليهم، لإمداد نظريات التدخل في شؤون الآخرين، ودعاة التوسع والهيمنة بالقوة والسلطان المزيف تحت ستار الأَيديولوجيات العابرة للحدود».